للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذلك وقع الخلاف بين أهل العلم في توجيه هذه الأحاديث، فالبعض رأى النسخ، والبعض رأى الجمع بينها.

والذين رأوا النسخ وهم الأكثر اختلفوا أيهما نسخ الآخر؟

هل الأمر بالوضوء هو الناسخ لترك الوضوء، أم ترك الوضوء هو الناسخ للأمر بالوضوء؟ وأهل العلم في ذلك كله على ثلاثة مذاهب:

الأول:

من قال بأن ترك الوضوء مما مست النار هو الناسخ للأمر بالوضوء، وهو قول جمهور أهل العلم وأكثر، وهو محكى عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي طلحة وأبي الدرداء وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي أمامة - رضي الله عنهم - أجمعين، وبه قال جمهور التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه (١).

واستدلو بـ:

- الأحاديث الواردة في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل مما مسته النار ولم يتوضأ، لا سيما أن من رواة هذه الأحاديث ابن عباس - رضي الله عنها - ومعلوم أن سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متأخرًا، كما ذكر ذلك ابن عبد البر (٢).


(١) قال الترمذي في السنن (١/ ١١٩): والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق رأوا ترك الوضوء مما مست النار وهذا آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول حديث الوضوء مما مست النار. اهـ.
(٢) التمهيد (٢/ ١٢٣).