للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأن يكون في الأخذ بها رفع حرج كان ممكنًا أن يقع فيه الناس لولاها (١).

فإذا كان الأمر كذلك فلا شك أن الذي هو محل اتفاق بين المذاهب ليس هو محل الخلاف بينهم وإلا كان في ذلك نسبة كثير من العلماء إلى الغفلة!

فإذا كانت المصلحة المرسلة ليست في العبادات، وإنما في أبواب المعاملات، ومعلوم أن الأصل في العادات والمعاملات الإباحة، وهذا محل اتفاق بين الجميع، فلا يكون هذا المعنى موردًا للخلاف بحال.

وإذا كان المانعون يرون أن في القول بالمصلحة المرسلة إثبات دليل مستقل صالح لبناء الأحكام عليه، وجعله حجة شرعية، وفي ذلك إثبات لأحكام لا دليل عليها، إذ ليس في الكتاب والسنة ما يجوِّز بناء الأحكام الشرعية بمجرد المصلحة، بل ذلك هو اتباع الهوى المذموم في الكتاب والسنة، فإن هذا أيضًا لا يصح أن يكون مورد الخلاف، إذ الكل متفق على هذا المعنى، كما ذكرنا من قبل من اتفاق الجميع على أنه لا يثبت حكم إلا بدليل.

وإذا كان الأمر هكذا فما هو وجه المنع منها عند المانعين؟ وهم الأكثر! وما هو وجه اشتراط تلك الشروط التي قيد بها الغزالي والشاطبي دلالة المصلحة المرسلة على الجواز؟

لابد - إذن - أن يكون في القول بالمصلحة المرسلة ما هو زائد عن مجرد ما يدل عليه الأصل، ولابد - أيضًا - أن يكون هذا المعنى هو الذي لأجله قوبلت بالقبول أو الرد، أو وضعت الشروط - من قِبل واضعيها - لضبطه،


(١) المصلحة في التشريع الإسلامي (ص ٧٠).