للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي تصرفه، فما دام مصحفه الذي معه موافقًا للحق فلا يحق لأحد أن يأمره بحرقه، لما في ذلك الحرق من إتلافٍ لماله، لكن لمّا كان جمع الناس على مصحف واحدٍ محقِّقًا لتلك الشروط جاز أن يلزم الناس به وإن اقتضى التعدي على ذلك الأصل الثابت وهو أن الإنسان لا يتصرف في ملكه إلا برضاه.

وأيضًا: عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما دوَّن الدواوين، وألزم الجند بتسجيل أسمائهم في تلك الدواوين (١): فيه تعد على أصل ثابت، وهو أن الإنسان لا يجب عليه من الأعمال إلا ما أوجبه الله تعالى عليه، ففي القول بتلك المصلحة تعدٍّ على ذلك الأصل، ولكن لما كانت المصلحة مستوفية للشروط السابقة جاز العمل بها.

[اعتراض والرد عليه]

إذا قال قائل: ما وجه اشتراط هذه الشروط، والصحابة رضوان الله عليهم لم يشترطوها، بل كانوا يعملون بالمصالح في بناء الأحكام عليها


(١) قال الشافعي: "لا ديوان حتى كان الديوان حين كثر المال في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -" الأم (٧/ ٢٨٥).
قال الرافعي: "لم يكن في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديوان ولا في زمن أبي بكر - رضي الله عنه -، وإنما وضعه عمر - رضي الله عنه - حين كثر الناس" [نقله عنه ابن حجر في تلخيص الحبير (٤/ ٥٩)]، وقال ابن عبد البر: "أجمع أهل العلم على أن عمر - رضي الله عنه - أول من جعل الديوان" [الاستذكار (٢٥/ ٢٢٢)]، وروى البيهقي في السنن الكبرى (٨/ ١٠٨) كتاب الديات، باب من في الديوان ومن ليس فيه من العاقلة سواء، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: "أول من دون الدواوين وعرَّف العرفاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ".