للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما ما فعله عثمان - رضي الله عنه - من جمع الناس على مصحف واحد، ومنع ما سواه، والأمر بإحراق ما عداه من المصاحف: فلم يقدم عليه عثمان - رضي الله عنه - إلا بعدما حصل الخلاف في الأمصار: وقال حذيفة - رضي الله عنه - له: "يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى" (١)، فكان فعل عثمان - رضي الله عنه - هنا راجع إلى رفع حرج، وهو معقول في ذاته، إذ جمعهم على حرف واحد مانع من اختلافهم، ملائمة لمقصود الشارع، إذ إن التنوع في إنزال القرآن على سبعة أحرف إنما كانت رخصة ليتيسر على الناس قراءة كتاب الله تعالى، فلما أدت تلك الرخصة إلى التنازع والاختلاف، كان العدول عنها هو الملائم لمقصود الشرع إذ أصبحت الرخصة منافية لما تقصد به.

وكذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما منع الصحابة أن يحدثوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا، وأمرهم بالإقلال من ذلك خشية أن ينصرف الناس عن كتاب الله: أفلا يكون أقل ما يقال في ذلك: كيف لعمر - رضي الله عنه - أن يمنع الناس أن يحدثوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم بذلك يكتمون العلم، وعمر - رضي الله عنه - يقول لهم: وأنا شريككم؟

ولا تأويل لفعل عمر - رضي الله عنه - سوى أن يقال: إنه مصلحة مرسلة رآها


= جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} من الرأفة.
(١) رواه البخاري (٨/ ٦٢٧ / ٤٩٨٧) كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن.