للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- أن أبا هاشم الجبائي إنما تكلم فى الترك الذي وقع التكليف به: فقوله "وإن المأمور يعاقب على مجرد عدم الفعل لا على ترك يقوم بنفسه" ظاهر في أنه يريد الترك الذي وقع التكليف به (١).

وعلى ذلك يكون الترك والكف مترادفين، وكلاهما بمعنى عدم فعل المقدور قصدًا.

[الاتجاه المختار]

الذي يظهر من العرض السابق أن استعمال كلمة الترك عند الأصوليين تتنوع بحسب المعنى المراد، فقد يستعمل الترك بمعنى الكف، وذلك إذا كان المراد الترك الذي يرد في الخطاب الشرعي: أي الترك الذي يكلف به الإنسان، ولذا يُلاحَظ أن أصحاب الاتجاه الثاني ينصب كلامهم على هذا المعنى في المقام الأول، وقد يستعمل الترك بحسب معناه اللغوي الأصلي فيشمل جميع صور الترك واحتمالاته، ويلاحظ أيضًا أن ذلك لم يكن في معرض الكلام عن


(١) بذلك يتضح أن من فسر هذه العبارة على أن الترك لا يكون عدميًا، وأن القائل بأن الترك عدمي موافق لمذهب الجبائي، ثم يرى أن تفصيل الترك إلى نوعين ما هو إلا محاولة للجمع بين القولين قد أخطأ في فهمه لهذه العبارة من شيخ الإسلام ابن تيمية، إذ مذهب الجبائي ليس في الترك العدمي، والذي يراه الباحث أن سبب الخلط الذي وقع في بيان ماهية الترك: هو عدم التفرقة بين نوعي الترك الوجودي والعدمي، فهم عند التأصيل يتكلمون على الترك الوجودي، ثم عند التطبيق وذكر الفروع يتناولون الترك العدمي، كما فعل الشيخ الغماري على سبيل المثال، وهذا هو السبب فيما ذهب إليه الدكتور الزنكي من ماهية الترك، وسوف يأتي الكلام على ما ذهب إليه مفصلًا في الكلام على فعلية الترك.