للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما تلميذه القاضي عياض فنظر إلى الموضوع من جوانب أخرى، لم يتطرق إليها غيره، فتنبه إلى بعض نصوص "المدونة" المحتاجة إلى الشرح والتوضيح، فنسج على منوال شيخه في عرض كتب "المدونة"، وفي شرح بعض النصوص الفقهية التي ساقها، بل الأكثر من ذلك أنه كان يعتمد عليه كثيراً في هذا الباب؛ ففي بيوع الآجال مثلاً عرض عياض للتعريف به عند الفقهاء، وبين الأصل الذي بني عليه، قبل أن يبدأ تعاليقه على نصوص "المدونة"، كما بين التأصيل الذي اعتمده في بيع الأجل كل إمام من أئمة المالكية، كابن القاسم وأشهب وابن المواز وفضل بن سلمة، وابن حبيب وغيرهم.

ثانياً: ضبط بعض المفردات وشرحها:

اهتم عياض بضبط بعض مفردات "المدونة" وشرحها، سواء تعلقت باللغة، أو بالأشخاص، أو الأماكن، ما دامت هذه الألفاظ غير خاضعة لقياس، أو قاعدة تضبطها، وهذا الاهتمام بضبط الألفاظ أخذه عن شيوخه، فقد أخبر عن شيخه أبي الحسن علي بن المشرف بن المسلم (١) الأنماطي (٢) بسنده إلى أبي إسحاق النيجرمي أنه قال: أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس, لأنه لا يدخلها القياس، ولا قبله شيء يدل عليه، ولا بعده شيء يدل عليه (٣).

وهذا المنهج سار عليه كذلك في كتابه "مشارق الأنوار". وقد تشكل هذه الألفاظ المهملة عقبة كأداء أمام القارئ، فتحتاج إلى من يقوم بضبطها، وتقييدها وبيان المقصود منها, لأن القارئ يحار في مثل هذه الكلمات إذا أراد أن يبحث عن معناها، إلى أي مرجع يتجه؟ وهذه الألفاظ لا يضبطها إلا الذين قضوا عقوداً من أعمارهم في ملازمة الشيوخ، مع الحرص على


(١) كذا في الغنية، ص: ١٧٨، وفي "الإلماع": مشرف بن مسلم، ص: ١٥٣.
(٢) توفي بالإسكندرية سنة ٥١٩ هـ. الغنية: ص: ١٧٨ - ١٧٩.
(٣) الإلماع: ص: ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>