للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: بالدليل الدال على الإرادة، وهو الصحيح؛ لان ورود التخصيص على اللفظ العام لا يبطل دلالته على العموم؛ فإن الدلالة هي الإفهام عند التجرد، وهذا المعنى لا يبطل بالمخصص؛ فإن لفظ المشركين يفهم منه الآن المشرك الذمي وغيره، وإن كان الذمي قد خرج منه وقوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم} [الجن: ٢٣] يفهم منه الآن العموم، وقد دخله التخصيص؛ إجماعا بالثابت وغيره، ممن يتفضل الله تعالى بالمغفرة عليه من غير توبه، فالمخصص حينئذ ليس مخرجا له عن الدلالة، ولا عن الإرادة، فإنه لم يرد قط بالحكم، ولا ثبوت الحكم في نفس الأمر؛ فإنه لم يثبت فيه، بل مخرج له عن ثبوت الحكم في اعتقادنا؛ لأنا قبل التخصيص نعتقد شمول الحكم، وبعد التخصيص لا نعتقد ذلك؛ فتعين الإخراج من اعتقادنا ليس غلا، وإذا كان الإخراج من الاعتقاد فقط، تعين أن يكون المخصص في الحقيقة غنما هو الدال على الإرادة، لا نفس الإرادة؛ فإن الغرادة أمر خفي لا يصرف اعتقادنا عن العموم.

فإن قلت: اللفظ العام، غذا أطلق فليس معه غرادة ثبوت الحكم، ولا غرادة عدمه، وذهل المتكلم عن ذلك ثبت الحكم في جميع الأفراد؛ بدليل الأيمان والنذور، وغير ذلك؛ غجماعا من القائلين بالعموم، فإذا وجدت غرادة المتكلم، اقتضت اختصاص الحكم ببعض الافراد [و] منع ذلك ثبوته في البعض الذي قصد إخراجه؛ فصارت الإرادة مخرجة له عما يستحقه بالوضع؛ فاللفظ يأتي بعد ذلك دليلا على ما في النفس؛ فالمخصص حقيقة إنما هو الإرادة [فقط].

قلت: هذا تقرير حسن غير أن على رأيكم: أن الإرادة مخرجة له عما يستحقه بالوضع، فهي مخرج له عما هو قائل به، وقد وجد سببه؛ فهو حاصل له بالقوة لا بالفعل.

وأما الإخراج عن الثبوت في الاعتقاد: فهو إخراج له عما هو ثابت له

<<  <  ج: ص:  >  >>