للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثالثها: أنه لابد في الإجماع من اتفاق الكل، والعلم باتفاق الكل لا يحصل إلا عند مشاهدة الكل، مع العلم بأنه ليس هناك أحد سواهم، وذلك لا يتأتى إلا في الجمع المحصور، كما في زمان الصحابة.

أما في سائر الأزمنة: فمع كثرة المسلمين، وتفرقهم في مشارق الأرض ومغاربها يستحيل أن يعرف اتفاقهم على شيء من الأشياء.

ورابعها: أن الصحابة أجمعوا على أن كل مسألة لا تكون مجمعا عليها، فإنه يجوز الاجتهاد فيها، فالمسألة التي لا تكون مجمعا عليها بين الصحابة، تكون محلا للاجتهاد؛ بإجماع الصحابة، فلو أجمع التابعون عليها، لخرجت عن أن تكون محلا للاجتهاد، وذلك يفضي إلى تناقض الإجماعين.

وخامسها: أن الصحابة، إذا اختلفت على قولين، ثم أجمع التابعون على أحدهما- لا يصير القول الثاني مهجورا؛ كما تقدمت هذه المسألة، وإذا كان كذلك، فنقول: المسألة التي أجمع التابعون عليها، يحتمل أن يكون لواحد من الصحابة فيها قول يخالف قول التابعين؛ مع أن ذلك القول لم ينقل إلينا، ومع هذا الاحتمال لا يثبت الإجماع.

فإن قلت: لو فتحنا هذا الباب، لزم ألا يبقى شيء من النصوص دليلا على شيء من الأحكام؛ لاحتمال طريان النسخ، والتخصيص.

قلت: الفرق: أن حصول إجماع التابعين مشروط بأن لا يكون لأحد من الصحابة قول يخالف قولهم، فالشك فيه شك في شرط يتوقف ثبوت الإجماع عليه فيكون ذلك شكا في حدوث الإجماع، والأصل بقاؤه على العدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>