للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلمنا جواز القياس في اللغة؛ لكن دعوى اطراد الحقيقة ممنوعة؛ لأن الحقيقة لا تطرد في مواضع كثيرة:

الأول: أن يمنع منه العقل؛ كلفظ الدليل عند من يقول: إنه حقيقة في فاعل الدلالة؛ فإنه لما كثر استعماله في نفس الدلالة، لا جرم لم يحسن استعماله في حق الله تعالى إلا مقيدا.

الثاني: أن يمنع السمع منه؛ كتسمية الله تعالى (بالفاضل والسخي) - فإنها

ممنوعة شرعا مع حصول الحقيقة فيه.

الثالث: أن تمنع منه اللغة؛ كامتناع استعمال (الأبلق) في غير الفرس.

فإن اعتذروا عنه بأن الأبلق موضوع للمتلون بهذين اللونين بشرط كونه فرسا!!. فنقول: جوز في كل مجاز لا يطرد أن يكون سبب عدم اطراده- ذلك؛ وحينئذٍ، لا يمكن الاستدلال بعدم الاطراد على كونه مجازا.

وثانيها: قال الغزالي رحمه الله: امتناع الاشتقاق دليل كون اللفظ مجازا؛ فإن الأمر، لما كان حقيقة في القول، اشتق منه الآمر والمأمور، ولما لم يكن حقيقة في الفعل، لم يوجد منه الاشتقاق.

وهذا ضعيف؛ لما تقدم أن الدعوى العامة لا تصح بالمثال الواحد، ولأنه ينتقض بقولهم للبليد: حمار، وللجمع: حمر، وعكسه: أن الرائحة حقيقة في معناها، ولم يشتق منها الاسم.

وثالثها: أن تختلف صيغة الجمع على الاسم، فيعلم أنه مجاز في أحدهما؛ إذ الأمر الحقيقي يجمع على الأوامر، وإذا أريد به الفعل، يجمع على أمورٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>