للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القياس (١). ولكن هذه المسألة مختلف فيها بين الأصوليين الأحناف.

إن الجصاص والسرخسي ينقلان عن طريق هشام بن عبيد الله الرازي (ت. ٢٢١) عن الشيباني قوله: "الفقه على أربعة أوجه، ما في القرآن وما أشبهه، وما جاءت به السنة وما أشبهها، وما أجمع عليه الصحابة وما اختلفوا فيه وما أشبهه، وما رآه المسلمون حسناً وما أشبهه" (٢). يعلق الجصاص على هذه المقولة بأن الشيباني يعد إجماع الصحابة حجة مثل القرآن والسنَّة، وأنه لا يقبل إحداث رأي جديد يخرج عن أقوالهم جميعاً في المسائل التي اختلفوا فيها، وأنه يقصد بما رآه المسلمون حسناً ما رآه المسلمون الآتون بعد جيل الصحابة عموماً. وذكر الجصاص بأن الشيباني أفاد في مواضع أخرى صحة الإجماع في كل عصر (٣).

وينقل ابن عبد البر عن الشيباني أنه قال: "العلم على أربعة أوجه: ما كان في كتاب الله الناطق وما أشبهه. وما كان في سنَّة رسول الله المأثورة عنه وما أشبهها. وما كان فيما أجمع عليه الصحابة وما أشبهه. وكذلك ما اختلفوا فيه لا يخرج عن جميعه. فإن وقع الاختيار فيه على قول فهو علم تقيس عليه ما أشبه. وما استحسن عامة فقهاء المسلمين وما أشبهه وكان نظيراً له. ولا يخرج العلم عن هذه الوجوه الأربعة" (٤). ويبين ابن عبد البر أن المقصود بما أشبهه القياس (٥). كما ينقل ابن عبد البر عن الإمام محمد أنه قال: "من كان عالِماً بالكتاب والسنَّة وبقول أصحاب رسول الله وبما استحسن فقهاء المسلمين وسعه أن يجتهد رأيه فيما ابتلي به، ويقضي به، ويمضيه في صلاته وصيامه وحجه وجميع ما أمر به ونهى عنه. فإذا اجتهد ونظر وقاس على ما أشبه ولم يَأْلُ وَسِعَهُ العمل بذلك وإن أخطأ الذي ينبغي


(١) المبسوط للسرخسي، ١٦/ ٨٣.
(٢) الفصول للجصاص، ٣/ ٢٧١، ٣٢٩؛ أصول السرخسي، ١/ ٣١٨.
(٣) الفصول للجصاص، ٣/ ٢٧١، ٣٣٩.
(٤) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، ٢/ ٢٦.
(٥) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، نفس المكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>