للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"باب الرد على من قال: إذا طلق ثلاثاً في كلمة واحدة لا يقع" (١). فأفاد أولًا أن النهي يكون متوجهاً إلى شيء موجود وأن الشيء المعدوم لا يمكن أن ينهى عنه. يقول الشيباني: "أليس إنما نهى الله تعالى عن شيء لا يكون أو عن شيء يكون (٢)؟ ألا ترى إلى قوله - عليه السلام - أنه نهى عن صيام يوم النحر ويوم الفطر وأيام التشريق، فمن صامهن كان صائماً وقد أساء. وإنما نهى عن صومهن لأنه صوم. كما نهى عن الطلاق في غير عدة لأنه طلاق لازم. ولو لم يكن طلاقاً لازمًا لم ينه عنه" (٣). ثم يذكر الشيباني أمثلة أخرى كثيرة في هذا الباب تدل على أن النهي لا يقتضي الفساد، وهذه الأمثلة بعضها متفق عليها وبعضها موضع اختلاف عند الفقهاء. ففي هذا السياق ذكر أن البيع وقت صلاة الجمعة، والبيع بدون شهود، والنافلة بعد صلاة العصر صحيحة مع وجود النهي، وأن القيام بهذه التصرفات مخالفة للسنَّة وإساءة (٤). واستنبط الشيباني من ترتيب الكفارة على الظهار مع وصفه في القرآن بأنه منكر من القول وزور (٥)، أن نذر المعصية تجب فيه الكفارة (٦). فاستنباطه هذا في الحقيقة يدل على أن كون تصرف ما معصية أو حراماً أو إثماً لا يمنع من ترتيب نتيجة دينية أو فقهية عليه، أي قد يكون هذا


(١) الأصل للشيباني، ٣/ ٢٥ و - ٢٧ و.
(٢) نقل السرخسي والتفتازاني هذا اللفظ على أنه "يتكون أو لا يتكون". انظر: أصول السرخسي، ١/ ٨٥؛ شرح التلويح للتفتازاني، ١/ ٢١٦. ويقول أمير بادشاه في هذا المعنى بأن المعدوم لا يصح النهي عنه. انظر: تيسير التحرير لأمير بادشاه، ١/ ٣٨٢. وقد شرح الأصوليون الأحناف هذه المسألة بألفاظ ومصطلحات جديدة، منطلقين من كلام الشيباني هذا.
(٣) الأصل للشيباني، ١/ ١٥٠ ظ، ٣/ ٢٥ ظ. وينقل الجصاص والدبوسي هذه العبارة بالمعنى. انظر: الفصول للجصاص، ٢/ ١٧٨؛ تقويم الأدلة للدبوسي، ص ٥٦. ويستخرج الجصاص من هذه العبارة قاعدتين: أحدهما أن ظاهر النهي لا يمنع وقوع المنهي عنه على فساد. والثاني أنه يمنع جوازه عن واجب عليه. وذلك مثل عدم جواز الصوم يوم العيد. انظر: الفصول للجصاص، ٢/ ١٧٨.
(٤) الأصل للشيباني، ٣/ ٢٥ ظ، ٢٦ ظ، ٢٧ و.
(٥) سورة المجادلة ٥٨/ ٢.
(٦) الأصل للشيباني، ١/ ١٨١ ظ؛ الآثار للشيباني، ص ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>