للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلت: هذا ليس هكذا. قال: كيف هو؟ فأخبرته. قال: صدقت. ثم جاء بالمقراض يقرض من كتابه" (١). فمحمد بن الحسن عالِم واسع الصدر يسمح لابن مهدي بالاطلاع على كتابه ويستمع إلى نقده العلمي ويراه في مكانه ويصحح كتابه تبعاً لما يقوله. وهذا هو التواضع للحق أينما كان ومن أين أتى.

كما أن التفرق الذي حدث بين أهل الحديث وأهل الرأي وبين أهل الحجاز وأهل العراق وأمثال ذلك قد أثر في كلام بعض المحدثين والعلماء وجعل من السهل عليهم الطعن على أهل الرأي دون التروي كثيراً في عواقب ذلك. قال محمد بن الحسن الشيباني: "كنت عند مالك، فنظر إلى أصحابه فقال: انظروا أهل المشرق فأنزلوهم بمنزلة أهل الكتاب، إذا حدثوكم فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم. ثم التفت فرآني، فكأنه استحيى، فقال: يا أبا عبد الله، أكره أن تكون غيبة، هكذا أدركت أصحابنا يقولون" (٢).

قال الذهبي: "هذا القول من الإمام قاله لأنه لم يكن له اعتناء بأحوال بعض القوم ولا خبر تراجمهم، وهذا هو الورع. ألا تراه لما خبر حال أيوب السختياني العراقي كيف احتج به، وكذلك حميد الطويل وغير واحد ممن روى عنهم. وأهل العراق كغيرهم فيهم الثقة والحجة والصدوق والفقيه والمقرئ والعابد وفيهم الضعيف والمتروك والمتهم. وفي الصحيحين شيء كثير جداً من رواية العراقيين -رحمهم الله-. وفيهم من التابعين كمثل علقمة ومسروق وعبيدة والحسن وابن سيرين والشعبي وإبراهيم، ثم الحكم وقتادة ومنصور وأبي إسحاق وابن عون، ثم مسعر وشعبة وسفيان والحمادين وخلائق أضعافهم، رحم الله الجميع" (٣). كما نقل عن الإمام مالك أقوال أخرى في الثناء على الإمام أبي حنيفة وعلى العراقيين. لكن المقصود أنه إذا كان هناك نوع من التحزب والافتراق فإنه يسهل على أحد الأطراف التكلم في الطرف الآخر بما لا ينبغي. وهذا أمر ينبغي أن يتفطن إليه العلماء


(١) الضعفاء للعقيلي، ٤/ ٥٤.
(٢) سير أعلام النبلاء، ٨/ ٦٨.
(٣) سير أعلام النبلاء، ٨/ ٦٨ - ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>