للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حرمه الله تعالى ولم يجئ فيه إحلال إلا أن فيه رخصة للمكره فأبى أن يأخذ بالرخصة حتى قتل فهو في سعة وان كان يعلم أن الرخصة تسعه. وكل أمر أحله الله -عَزَّ وَجَلَّ- في مثل ما أحل في الضرورة من الميتة ولحم الخنزير وفي المرض والسفر في الصوم فلم يفعل الرجل ما أحل الله تعالى له في الضرورة والمرض والسفر حتى مات أو قتل فهو آثم؛ لأن الأول الذي فيه الرخصة أراد بتركه الرخصة أن يعز الدين، فهو في ذلك مأجور. وهذا الوجه الآخر قد أحل الله تعالى له ذلك في حال الضرورة والمرض والسفر، وليس في ذلك إعزاز الدين؛ لأن الله تعالى حين أحله في تلك الحال صار بمنزلة ما أحله الله تعالى في غير تلك الحال، ومن لم يقبل ما أحل الله تعالى له صار عندنا آثماً. ألا ترى أن رجلاً محرماً لو اضطر إلى ميتة وإلى ذبح صيد فأكله حل له عندنا أكل الميتة، ولم يحل له ذبح الصيد ما دام يجد الميتة؛ لأن الميتة حلال في الضرورة، والصيد جاء تحريمه جملة لم يستثن فيه ضرورة ولا غيرها، ولا يشبه ما أحله التنزيل ما رخص فيه لحال الضرورة. ألا ترى أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- حين رخص في الكفر في الإكراه لم يقل في كتابه: إنه حلال، ولكنه قال: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ} (١)، فإذاً ذهب التعنيف عن المكره، ولم يقل: إني أحللت ذلك، ولكنه رخص في ذلك، والترك لذلك حتى يقتل أفضل. ألا ترى أن خبيباً أبى ذلك حتى قتل فلم يُعَنَّف في ذلك (٢)، وأن عماراً فعل فرخص له في ذلك (٣). وقد جاء في الأثر أن المجبر في نفسه يوم القيامة في ظل العرش إن أبى الكفر حتى يقتل" (٤).


(١) سورة النحل، ١٦/ ١٠٦.
(٢) المغازي للواقدي، ١/ ٣٦٠؛ نصب الراية للزيلعي، ٤/ ١٥٩.
(٣) رواه الشيباني بإسناده في الأصل، ٥/ ٦٨ ظ.
(٤) الأصل للشيباني، ٥/ ١٠٩ ظ -١١٠ و. وانظر كذلك: نفس المصدر، ٥/ ٧٦ و، ١٠٨ ظ - ١٠٩ و.

<<  <  ج: ص:  >  >>