للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فأما الكتب المصنفة التي هي مشهورة في أيدي الناس فلا بأس لمن نظر فيها وفهم شيئاً منها وكان متقناً في ذلك أن يقول: قال فلان كذا، أو مذهب فلان كذا، من غير أن يقول: حدثني أو أخبرني، لأنها مستفيضة بمنزلة الخبر المشهور. وبعض الجهال من المحدثين استبعدوا ذلك، حتى طعنوا على محمد -رحمه الله- في كتبه المصنفة. وحكي أن بعضهم قال لمحمد بن الحسن -رحمه الله-: أسمعت هذا كله من أبي حنيفة؟ فقال: لا. فقال: أسمعته من أبي يوسف؟ فقال: لا، وإنما أخذنا ذلك مذاكرة. فقال: كيف يجوز إطلاق القول بأن مذهب فلان كذا أو قال فلان كذا بهذا الطريق؟ وهذا جهل؛ لأن تصنيف كل صاحب مذهب معروف في أيدي الناس مشهور، كموطأ مالك -رحمه الله- وغير ذلك. فيكون بمنزلة الخبر المشهور يوقف به على مذهب المصنف. وإن لم نسمع منه فلا بأس بذكره على الوجه الذي ذكرنا بعد أن يكون أصلاً معتمداً يؤمن فيه التصحيف والزيادة والنقصان" (١).

من ناحية أخرى فإنه قد ورد في بداية الجامع الصغير للإمام محمد معلومة لا يُعلم على وجه اليقين من قالها. ورد في هذه المعلومة أن الإمام محمداً قد بوّب كتب المبسوط، ولم يبوّب كتب الجامع الصغير (٢). لكن نستطيع أن نقول بأن تلك المعلومة إما أن تكون من مرتب الجامع الصغير وهو أبو طاهر الدباس (٣)، أو من تلميذه الذي قرأ الجامع الصغير عليه بترتيبه سنة ٣٢٢ كما ورد في بداية الجامع الصغير (٤). وهذا يدلنا كذلك على أن التبويب الحاصل داخل كتاب الأصل هو من صنيع الإمام محمد نفسه،


(١) أصول السرخسي، ١/ ٣٧٨ - ٣٧٩.
(٢) الجامع الصغير مع شرحه النافع الكبير للكنوي، ص ٦٧ - ٦٨.
(٣) هو محمد بن محمد بن سفيان، أبو طاهر الدباس، من أقران أبي الحسن الكرخي (ت. ٣٤٠)، وكان من علماء الأحناف الكبار، موصوفاً بالحفظ والرواية، ولي القضاء بالشام، ثم جاور في الحرم إلى أن توفي. انظر: الجواهر المضية (بتحقيق الحلو)، ٣/ ٣٢٣ - ٣٢٤.
(٤) الجامع الصغير، الموضع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>