للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتب الإمام محمد، فلو كان هناك شيء من غير كلامه كان عليه أن يبين ذلك.

والاحتمال الثاني - وهو الراجح لدينا-: أن يكون القائس هو محمد بن الحسن نفسه. وذلك لأنه قد يقيس هذه المسألة التي أمامه على مسألة أخرى قد تكلم فيها أو بحثها من قبل، إما لأنه لم تسنح له الفرصة ليبحث هذه المسألة الجديدة وكانت المسألة القديمة أمامه جاهزة فقاس عليها، وإما ليبين بذلك أن هذه المسألة جارية على قياس قوله في مسائل أخرى وأن آراءه الفقهية مترابطة متناسقة داخلياً، وأن هذه المسألة الجديدة ليست خارجة على القاعدة عنده أي ليست مسألة استحسان. وهذا الأمر أي بيان اعتماد أقوالهم في مسألة ما على القياس أو الاستحسان قد اعتنى به الإمام محمد كما اعتنى به الإمامان أبو حنيفة وأبو يوسف قبله أيما اعتناء، وهو أمر واضح لمن نظر في ثنايا كتاب الأصل. ويمكن أن يستدل على ما قلناه بقول الإمام محمد في بعض المواضع: "قياس قول محمد" (١)، "قياس قولنا" (٢)، "في قياس قول أبي يوسف وقولنا" (٣)، "في قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقولنا" (٤). فمن الواضح أن هذه العبارة تدل على أن محمد بن الحسن يقوم بالقياس على قوله نفسه. وليس هذا بمستنكر لما بيناه من الأسباب آنفًا. ولسبب آخر، وهو أننا لا نجد في أي موضع من الكتاب مسألة يقول فيها صراحة بأنها على "قياس قول محمد"، إلا في موضع واحد أشرنا إليه آنفًا، ولكن المذكور في ذلك الموضع مسألة فرضية حيث يقول فيها: "وكان ينبغي في قياس قول محمد … ولكنه استحسن … " (٥)، والصيغة المذكورة أكثر نسبيًا هي: "قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد"، أو "قياس قول أبي حنيفة ومحمد"، أو "قياس قول أبي يوسف ومحمد". فالإمام محمد دائمًا مذكور مع أبي حنيفة أو أبي يوسف. وهذا يقوي احتمال أن يكون


(١) انظر: ٥/ ٨٦ ظ.
(٢) انظر: ٤/ ٢٢٨ ظ.
(٣) انظر: ٧/ ١٢٢ ظ.
(٤) انظر: ٧/ ٧٦ ظ.
(٥) انظر: ٥/ ٨٦ ظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>