للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهادة فيه إذا أعادها، لا في سقوط العدالة مطلقًا، واستأنس فيه بما سنذكره عن الغزالي والبغوي.

قلت: وهو الذي صرح به القاضي الحسين في كتاب الإقرار، حيث قال: لا خلاف أنه لا يصير مجروحًا في غير تلك القضية، وفي تلك القضية وجهان، ولأجل ذلك قال الإمام ثم فيما إذا ادعى ألفًا، وشهد له شاهد بألفين-: إن الألف الزائدة لا يثبت، لأنه حصلت الشهادة به قبل الدعوى.

لكن اختلف أئمتنا فيمن شهد لإنسان بحق قبل أن يستشهد، فهل يصير مجروحًا في تلك القضية أم لا؟

فمنهم من قال: لا يصير مجروحًا، لأن ما جرى منه لم يخرم عدالته، بدليل قبول شهادته في سائر القضايا سوى هذا، وهذا مما لم يختلف فيه المحققون، لكن شهادته [فيه] مردودة، لانعدام الدعوى.

ثم قال: وهذا هو القياس الذي لا يعارض فيه.

ومنهم من قال: يصير مجروحًا في تلك القضية، لأن ابتداره إلى إقامة الشهادة قبل أن يستدعى يشعر بقيام غرض له في نفسه حمله على ذلك، والشهادة قد ترد بالتهم.

ثم لا يمتنع التبعيض في الجرح والعدالة، بدليل أن الفاسق إذا ردت شهادته، ثم تاب، وظهرت عدالته، واستقامت حاله- فشهادته في سائر الخصومات مقبولة.

ولو أعاد الشهادة المردودة، لم تقبل، وبهذا يتحصل في المسألة طريقان:

فإن قلنا: إنه يصير مجروحًا، فقد تقدم الكلام في اعتبار توبته واستبرائه، وتقدم الوعد بأنا نذكر أنه إذا أعاد تلك الشهادة بعد الدعوى هل تقبل أم لا؟

وقد حكى الإمام في كتاب الإقرار في ذلك وجهين ينبنيان على أنه هل يصير مجروحًا، أم لا؟

فإن قلنا: يصير مجروحًا، لم تقبل، كما لا تقبل شهادة الفاسق المعادة بعد التوبة، وهذا أثر الجرح، ولا فرق على هذا بين أن يطول الزمان أو يقصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>