للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرابع عشر:

أَنها كالكير في إزالة الخبث عنها ففي الصحيحين من حديث جابر: أَن أَعرابيا بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأَصابه وعك بالمدينة فقال: يا محمد. أَقلني بيعتي فأَبى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فخرج الأَعرابي. فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم: إنما المدينة كالكير تنفي خبثها، وينصع طيبها. قال القرطبي: هذا تشبيه واقع. لأَن الكير لشدة نفخه ينفي عن النار السخام والدخان والرماد حتى لا يبقى إلا خالص الجمر والنار. هذا إن أَراد بالكير المنفَخ الذي ينفخ به النار، وإن أراد به الموضع المشتمل على النار وهو المعروف عند اللغويين، فمعناه أَن ذلك الموضع لشدة حرارته ينزع خبث الحديد والذهب والفضة. ويخرج خلاصته، والمدينة كذلك لما فيها من شدة العيش وضيق الحال تخلص النفوس من شهواتها وشرهها، وميلها إلى اللذات والمستحسنات وتبقى خلاصتها. وقال ابن عبد البر في التمهيد: والظاهر أَن هذا مخصوص بزمن حياته صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد خرج منها بعده الأَخيار والأَبرار، لأَنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه إلا من ثبت إيمانه. وقال أبو زكريا النووي: الظاهر العموم. وفي صحيح مسلم: لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد، هذا والله أعلم زمن الدجال. قلت: وقد جاءَ كذلك في مسند أَحمد من حديث جابر وقد سبق.

<<  <   >  >>