للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتفرد المتلقي بالرخص عن أهل السوق، ويتفرد بالمجلوب عن أهل السوق، وهم أولى بالمراعاة من المتلقي؛ لأنهم الأكثر، ومراعاة الجالب من جهة أخرى حتى لا يغرر به المتلقي، وهو واحد والمتلقي واحد، فليس أحدهما أولى بالمراعاة من الآخر. وهذا رأي ابن العربي (١)، وأومأ إليه المازري بقوله:

«فإن قيل: المنع من بيع الحاضر للبادي سبب الرفق بأهل البلد، واحتمل فيه غبن البادي، والمنع من التلقي أن لا يغبن البادي، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: فإذا أتى سيده السوق، فهو بالخيار» فالجواب: أن الشرع ينظر في مثل هذه المسائل إلى مصلحة الناس، والمصلحة تقتضي أن ينظر للجماعة على الواحد، لا للواحد على الواحد، فلما كان البادي إذا باع بنفسه انتفع جميع أهل السوق، واشتروا رخيصًا، فانتفع به جميع سكان البلد، نظر الشارع لأهل البلد على البادي، ولما كان في التلقي إنما ينتفع المتلقي خاصة، وهو واحد في قبالة واحد، لم يكن في إباحة التلقي مصلحة، لاسيما إذا انضاف إلى ذلك علة ثانية، وهي لحوق الضرر بأهل السوق في انفراد المتلقي عنهم بالرخص، وقطع المواد عنهم، وهم أكثر من المتلقي، فنظر الشارع لهم عليه، فلا تناقض بين المسألتين بل هما متفقتان في الحكمة والمصلحة والله أعلم» (٢).

وفي المغني: «روي أنهم كانوا يتلقون الأجلاب فيشترون منهم الأمتعة قبل أن تهبط الأسواق فربما غبنوهم غبنًا بينًا فيضرونهم وربما أضروا بأهل البلد ; لأن الركبان إذا وصلوا باعوا أمتعتهم والذين يتلقونهم لا يبيعونها


(١) منح الجليل (٥/ ٦٣).
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (١١/ ١٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>