للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما جهل الصحابة تأويله، ولرضوا عن أبي هريرة حين حدثهم به، فلولا أن الحكم قد تقرر عندهم بخلافه لما جاز عليهم جهل هذه الفريضة، فدل على أنهم حملوا الأمر في ذلك على الاستحباب.

وتعقبه ابن حجر، قائلًا: «وما أدري من أين له أن المعرضين كانوا صحابة، وأنهم كانوا عددًا لا يجهل مثلهم الحكم، ولم لا يجوز أن يكون الذي خاطبهم أبو هريرة بذلك كانوا غير فقهاء، بل ذلك هو المتعين، وإلا لو كانوا صحابة أو فقهاء ما واجههم بذلك» (١).

[رأي الباحث في المعاوضة على حقوق الارتفاق]

يمكن لنا أن نخرج بقول وسط، فنقول:

إن حق الارتفاق حق مالي يجوز الاعتياض عنه بالمال خاصة لمن أراد أن يتملكه بإتلاف أو استهلاك، وأما الانتفاع فهو أخف من التملك ويتجوز فيه ما لا يتجوز في غيره، خاصة إذا كان ينتفع به بلا ضرر، فيمكن لنا أن نقول: إن ما ورد فيه نص بوجوب بذله للجار بلا عوض يجب بذله، وما لم يرد فيه نص فالأولى بذله، لأن الله ذم من يمنع الماعون، بقوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧] فإن لم يفعل لم يجبر؛ لأن الأصل احترام حق الملكية الخاصة، وعدم الانتفاع بشيء منه بغير إذن مالكه.

وقول الحنفية قول ضعيف؛ لأننا قد قدمنا أن المالية ليس من شرطها الحيازة، ولو سلم لكانت حيازة المنفعة حاصلة بحيازة العين، ولأن المال هو ما تمول عرفًا، وقد اعتاد الناس على تمول مثل ذلك، ولهذه الأشياء قيمة في الشرع فما المانع من اعتبار ماليتها، والمقصود من الأعيان إنما هو منافعها دون أعيانها، والله أعلم.

* * *


(١) فتح الباري (٥/ ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>