للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: - القائل الصديق الضرير - كون المبيع المستحق التسليم في أجل محدد ضربًا من الالتزام لا خلاف فيه، وأما كون هذا الالتزام مساويًا للدين فغير مسلم؛ لأن الالتزام أعم من الدين، فكل دين التزام، وليس كل التزام دينًا، والالتزام في عقد المقاولة ليس دينًا، وإنما هو التزام بأداء عمل، والمقاول قد يكون دائنًا لا مدينًا في كثير من الحالات، فالبنوك العقارية تقوم ببناء المساكن مقاولة، وتتقاضى المقابل على أقساط بعد تسليم المبنى، وكذلك يفعل كبار المقاولين، والفرق كبير جدًا بين التزام المقاول والمورد، والتزام المقترض والمشتري بثمن مؤجل، والمسلم إليه، فالتزام هؤلاء الثلاثة دين حقيقي ثبت في ذممهم، وأخذوا مقابله، أما التزام المقاول والمورد فهو التزام بأداء عمل، لا يستحق مقابله إلا بعد أدائه، والله أعلم (١).

[الراجح بين القولين]

الذي أميل إليه القول بجواز الشرط الجزائي إذا كان محل الالتزام عملًا من الأعمال، وإن كنت لا أتفق مع فضيلة الشيخ الصديق الضرير بأن التزام العمل ليس دينًا، بل هو دين؛ لأن محله ذمة الأجير أو المقاول أو المورد، وسماها الفقهاء الإجارة في الذمة، لكن هناك فرق بين أن يكون الدين عملًا، وبين أن يكون الدين غير ذلك، ولذلك أجاز الحنابلة والحنفية في الإجارة في الذمة من تأخير العوضين، ومنعوا ذلك في البيوع إذا كان كل من المبيع والثمن دينًا في الذمة، مما يدل على أن هناك فرقًا بين الالتزامين لذلك أرى أنه لا مانع من أخذ الشرط الجزائي إذا كان محل الالتزام عملًا من الأعمال، وإن كان هذا العمل يصح أن يقال: هو دين في ذمة الأجير والمقاول والمورد، والله أعلم.

* * *


(١) انظر المرجع السابق (ص: ٧٣ - ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>