للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من النهي عن بيع ما ليس عند البائع، ورخص في السلم (١).

فالسلم بيع غائب، ليس عند البائع وقت العقد؛ رخص به ليدفع به حاجة كل من المتعاقدين، فإن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري الثمرة بأرخص من قيمتها؛ ليربح فيها، وصاحب الثمرة محتاج إلى ثمنها قبل إبانها لينفقه عليها، فظهر أن بيع السلم من المصالح الحاجية، وقد سماه بعض الفقهاء بيع المحاويج، فإذا جاز حالًا بطلت هذه الحكمة، وارتفعت هذه المصلحة، ولم يكن لاستثنائه من بيع ما ليس عندك فائدة (٢).

يجاب عن ذلك:

أما ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يصح، وقد سبق الكلام عن ذلك.

وأما قولكم: بأن السلم لم يشرع إلا رخصة، إن كنتم تقصدون بذلك كما يقول بعضهم: إن السلم على خلاف القياس؛ لأنه بيع معدوم، وبيع المعدوم لا يجوز، وإذا كان الحال كذلك اقتصر بالسلم على صفته، فلم يجز حالًا، فقد أجبت على ذلك في فصل مستقل، وبينت أن السلم جار على وفق القياس، وذلك أن السلم المؤجل دين من الديون، فكما أن الثمن قد يؤجل في الذمة، وهو أحد العوضين، فكذلك المثمن قد يؤجل في ذمة البائع، فأي فرق بين كون أحد العوضين يصح أن يكون مؤجلًا في الذمة، ولا يصح أن يكون العوض الآخر مؤجلًا في الذمة (٣).


(١) سبق تخريجه، انظر (ح ٥١٤).
(٢) تفسير القرطبي (٣/ ٣٧٩).
(٣) انظر مجموع الفتاوى (٢٠/ ٥٢٩)، زاد المعاد (٥/ ٨١١)، إعلام الموقعين (١/ ٣٥٠) و (٢/ ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>