للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطرف الآخر، بدلًا من كونه ملزمًا من جانب واحد، والدليل على ذلك أن الشيء إذا كان لا يتطلب موافقة الطرف الآخر صار ملزمًا ولو من جانب واحد، وهذا له نظائر في الفقه:

فمن التصرفات التي تتم بإرادة منفردة في الفقه الإسلامي: الجعالة، والوصية، والوقف، والإبراء، واستعمال خيار من الخيارات كخيار الشرط، وخيار العيب، وخيار الرؤية، وأيضًا الكفالة والهبة والعارية وغير ذلك من التصرفات.

ففي الجعل مثلًا يلتزم شخص بدفع مبلغ معين لمن عثر على شيء ضائع، فالواعد هنا قد التزم بإرادته المنفردة (١).


(١) هذا الكلام يسمى في القوانين الوضعية بالإرادة المنفردة، وهي العمل القانوني الصادر من جانب واحد، فهل يمكن للشخص أن ينشئ التزامًا في ذمته بمجرد إظهار إرادته (الإيجاب) أو لا بد من توافق إرادتين، وهو ما يسمى الإيجاب والقبول؟
فهناك نظريتان متقابلتان في هذا: فالنظرية الفرنسية ترى أن الإرادة المنفردة لا تولد التزامًا، فليس من المفيد في جميع الأحوال أن نعتبر شخصًا قد التزم بإيجاب لم يقبله أحد. وقد تلقف القانون المصري هذه النظرية عن القانون الفرنسي.
بينما ذهبت النظرية الألمانية إلى أنه لا مانع من كون الإرادة المنفردة تنشئ التزامًا، لأن الالتزام يترتب على المال أكثر مما يكون له صلة فيما بين شخص وآخر.
والفرق بين النظريتين في تحديد مصدر الالتزام:
فإن قلنا: إن مصدر الالتزام هو العقد، فلن يوجد الالتزام إلا من وقت صدور القبول.
وإن قلنا: إن مصدر الالتزام هو إعلان الإرادة المنفردة (الإيجاب) فإن الالتزام يوجد من وقت إعلان إرادة المدين دون حاجة إلى صدور إرادة مقابلة من الدائن، فالخلاف بينهما إنما هو في وقت نشوء الالتزام، فإذا أخذنا بالإرادة المنفردة: قلنا: الالتزام ينشأ من وقت صدور الإرادة المنفردة، وإذا لم نأخذ بهذه النظرية، ورددنا الأمر إلى فكرة العقد، قلنا: إن الالتزام لا ينشأ إلا من وقت تطابق إرادة الدائن مع إرادة المدين. والله أعلم. =

<<  <  ج: ص:  >  >>