للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحكم، ويمنع مساواته لغيره، لكن الوصف الذي اختص به قد يظهر لبعض الناس وقد لا يظهر، وليس من شرط القياس الصحيح المعتدل أن يعلم صحته كل أحد، فمن رأى شيئًا من الشريعة مخالفًا للقياس فإنما هو مخالف للقياس الذي انعقد في نفسه، وليس مخالفًا للقياس الصحيح الثابت في نفس الأمر، وحيث علمنا أن النص جاء بخلاف قياس، علمنا قطعًا أنه قياس فاسد، بمعنى أن صورة النص امتازت عن تلك الصور التي يظن أنها مثلها بوصف أوجب تخصيص الشارع لها بذلك الحكم، فليس في الشريعة ما يخالف قياسًا صحيحًا، لكن فيها ما يخالف القياس الفاسد، وإن كان من الناس من لا يعلم فساده» (١).

«وبالجملة ما عرفت حديثًا صحيحًا إلا ويمكن تخريجه على الأصول الثابتة، وقد تدبرت ما أمكنني من أدلة الشرع، فما رأيت قياسًا صحيحًا يخالف حديثًا صحيحًا، كما أن المعقول الصريح لا يخالف المنقول الصحيح، بل متى رأيت قياسًا يخالف أثرًا فلا بد من ضعف أحدهما، لكن التمييز بين صحيح القياس وفاسده مما يخفى كثير منه على أفاضل العلماء فضلًا عمن هو دونهم، فإن إدراك الصفات المؤثرة في الأحكام على وجهها ومعرفة الحكم والمعاني التي تضمنتها الشريعة من أشرف العلوم، فمنه الجلي الذي يعرفه كثير من الناس، ومنه الدقيق الذي لا يعرفه إلا خواصهم، فلهذا صار قياس كثير من العلماء يرد مخالفًا للنصوص لخفاء القياس الصحيح عليهم، كما يخفى على كثير من الناس ما في النصوص من الدلائل الدقيقة التي تدل على الأحكام» (٢).


(١) مجموع الفتاوى (٢٠/ ٥٠٤) وما بعدها.
(٢) مجموع الفتاوى (٢٠/ ٥٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>