للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضة، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك.

فبلغ عبادة بن الصامت فقام، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عينًا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى. فرد الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا، فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت، فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كره معاوية - أو قال: وإن رغم - ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء.

[وجه الاستدلال]

احتج عبادة في المنع من بيع الآنية من الفضة بالفضة متماثلًا من نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الفضة بالفضة إلا مثلًا بمثل. ولم ير رضي الله عنه إلى أن الآنية من الفضة قد خرجت بالصنعة من كونها مالًا ربويًا، وفهم الصحابي أولى من فهم غيره، كيف وقد وافقه غيره من الصحابة كما سيأتي عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأبي الدرداء. وأما رأي معاوية فهو لم يحتج لقوله إلا أنه لم يسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا في النهي، كما قال: (ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث قد كنا نشهده، ونصحبه فلم نسمعها منه)، وكونه لم يسمع ليس حجة على من حفظ وسمع، وعمر وأبو بكر قد تغيب عنهم سنة، ويحفظها غيرهم ممن هو دونهم فكيف بمعاوية رضي الله عن الجميع، فكيف إذا كان معاوية إنما قال ذلك برأيه واجتهاده، وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء كما سيأتي احتجا عليه بالسنة المرفوعة، ولذلك أغلظا له في الإنكار، وليس رأي معاوية صريحًا في أنه يرى أن الفضة تخرج بالصنعة من كونها مالًا ربويًا. فقد يكون رأي معاوية من رأي ابن عباس في أن الربا لا يجري إلا في النسيئة، ولذلك أجاز بيع الآنية من الفضة بأكثر من وزنها يدًا بيد. ويحتاج من يريد أن يجعل رأي معاوية في الحلية إلى كلام صريح من معاوية رضي الله عنه في المسألة، فالقصة ليست صريحة في الباب.

(ح-٧٦٨) يؤيد ذلك ما رواه ابن ماجه عن هشام بن عمار، حدثنا يحيى ابن حمزة، حدثني برد بن سنان، عن إسحاق بن قبيصة، عن أبيه، عن عبادة ابن الصامت بنحوه.

وفيه قال معاوية: يا أبا الوليد ما أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة (١).


(١) سنن ابن ماجه (١٨) ومن طريق هشام بن عمار أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (٣٩٠)،، وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (١٨٦٢).
ورواه البزار في مسنده (٢٧٣٥) من طريق هشام بن عمار به، دون ذكر قصة معاوية.

ورواه تمام في فوائده (٨٣٢) من طريق هشام بالحديث المرفوع، وزاد فيه: وكتب عمر ابن الخطاب إلى معاوية: ألا لا إمرة لك على عبادة، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (٣/ ٣٥٤) وابن عبد البر في التمهيد (٤/ ٨٦) من طريق محمد ابن مبارك الغوري، ثنا يحيى بن حمزة به. وليس فيه قول معاوية: ما أرى ا لربا في هذا إلا ما كان من نظرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>