للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكون الجاهل عاجزًا حكمًا كالناسي، ويكون الجهل عذرًا يؤخر حكم الخطاب، ولا يسقط الوجوب أصلًا كالخطأ، والنسيان» (١).

ولم يطَّرد الحنابلة في العذر بالجهل فتجد أنهم قبلوا دعوى الجهل بتحريم الزنا، وشرب الخمر، إذا كان مثله يجهل لحداثة عهده بالإسلام، أو لكونه نشأ في البادية، ولم يجعلوا الجهل عذرًا في بعض الأحكام، فالجهل في ترك واجب من واجبات الحج يجب فيه عندهم الدم، سواء كان ناسيًا، أو جاهلًا، كما أن قتل الصيد، والوطء وحلق الشعر في الحج يستوي فيه العامد والجاهل والناسي، ومثله ترك الترتيب الواجب في الوضوء، أو في الصلاة، لا يسقط بالجهل.

جاء في شرح منتهى الإرادات: «ولا يحد، ولا يعزر شارب خمر جهل التحريم ... ولا تقبل دعوى الجهل ممن نشأ بين المسلمين؛ لأنه لا يكاد يخفى» (٢).

وقال ابن قدامة «قتله بسحر يقتل غالبًا، ففيه القود؛ لأنه يقتل غالبًا، أشبه السكين، وإن كان مما لا يقتل غالبًا، فهو خطأ العمد، وإن ادعى الجهل بكونه يقتل غالبًا، وكان مما يجوز خفاؤه عليه، فلا قود» (٣).


(١) قواطع الأدلة (٥/ ٢٣٨).
(٢) شرح منتهى الإرادات (٣/ ٣٦٢)، وانظر الكافي في فقه الإمام أحمد (٤/ ٢٠١)، شرح العمدة (٣/ ٤٠٣).
(٣) الكافي (٤/ ١٦)، وإذا عرفنا أقوال الفقهاء في الغلط في الحكم الشرعي بسبب الجهل، يقابله في التسمية في القانون ما يسمى (الغلط في القانون)، وهو فهم مسألة قانونية من طريق الخطأ، فإذا بعت بصفتي قيمًا عقارًا مملوكًا للقاصر دون أخذ رضا المحكمة، معتقدًا أن البيع لا تتوقف صحته على إجازة المحكمة، فهذا الغلط يعيب الرضا بمن وقع من جانبه الغلط، وقولنا: يعيب الرضا بمعنى أنه لا يعدمه، فإذا أجازت المحكمة البيع أصبح نافذًا.
يقول القانون المدني المصري في مادته (١٢٢): يكون العقد قابلًا للإبطال لغلط في القانون، إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقًا للمادتين السابقتين، هذا ما لم يقض القانون بغيره.
ويقول القانون الأردني في مادته (١٥٤): «للعاقد إذا وقع منه غلط في القانون، وتوافرت شروط الغلط في الواقع طبقًا للمادتين (١٥١، ١٥٣) ما لم يقض القانون بغيره».
ويقول قانون الموجبات اللبناني في مادته (٢٠٦): إن الغلط القانوني يعتد به، ويعيب الرضا كالغلط العملي.

<<  <  ج: ص:  >  >>