للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن حزم: «ليس هذا غررًا؛ لأنه بيع شيء قد صح ملك بائعه عليه، وهو معلوم الصفة والقدر فعلى ذلك يباع، ويملكه المشتري ملكًا صحيحًا فإن وجده فذلك وإن لم يجده فقد استعاض الأجر الذي هو خير من الدنيا وما فيها، وربحت صفقته. ولو كان هذا غررًا لكان بيع الحيوان كله، حاضره وغائبه غررًا لا يحل، ولا يجوز ; لأنه لا يدري مشتريه أيعيش ساعة بعد ابتياعه أم يموت ولا يدري أيسلم أم يسقم ..... وإنما الغرر ما عقد على جهل بمقداره وصفاته حين العقد. فإن قالوا: فلعله ميت حين العقد أو قد تغيرت صفاته؟ قلنا: هو على الحياة التي قد صحت له حتى يوقن موته وعلى ما تيقن من صفاته حتى يصح تغييره فإن صح موته ردت الصفقة وإن صح تغيره فكذلك أيضًا. ولئن قلتم: إن هذا يمنع من بيعه فامنعوا من بيع كل غائب من الحيوان - ولو أنه خلف الجدار - إذ لعله قد مات للوقت حين عقد الصفقة، أو تغير بكسر أو وجع أو عور. نعم وامنعوا من بيع البيض والجوز واللوز وكل ذي قشر إذ لعله فاسد، ولا فرق بين شيء من ذلك؟ وإنما الغرر ما أجزتموه من بيع المغيبات التي لم يرها أحد قط: من الجزر والبقل والفجل ولعلها مستاسة، أو معفونة وما أجازه بعضكم من بيع ما لم يخلق بعد من بطون المقاثي التي لعلها لا تخلق أبدًا - ومن لبن الغنم شهرين، أو ثلاثة ولعلها تموت أو تحارد فلا يدر لها شخب، ومن بيع لحم شاة مذبوحة لم تسلخ بعد فلا يدري أحد من خلق الله تعالى ما صفته - فهذا وأشباهه هو بيع الغرر المحرم وقد أجزتموه لا ما صح ملكه وعرفت صفاته» (١).


(١) المحلى (مسألة: ١٤٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>