للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ إذا جاوز الدم اليوم والليلة للمبتدأة]

مَسْأَلَةٌ

" وَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَهُوَ حَيْضٌ "

لَا تَخْلُو الْمُبْتَدَأَةُ إِمَّا أَنْ يَنْقَطِعَ دَمُهَا لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَيَسْتَمِرَّ بِهَا، فَإِنِ انْقَطَعَ فَهُوَ حَيْضٌ، تَغْتَسِلُ لِانْقِطَاعِهِ، وَتَصِيرُ طَاهِرًا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، وَلَا يُكْرَهُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا؛ كَالْمُعْتَادَةِ إِذَا طَهُرَتْ لِعَادَتِهَا، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَتَكَرَّرَ بِهَا ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَتَطْهُرَ أَيَّامَ حَيْضِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ مُعَاوَدَةَ الدَّمِ فِي حَالِ الْوَطْءِ، وَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي الِامْتِنَاعِ، فَيُكْرَهُ وَطْؤُهَا؛ كَالنُّفَسَاءِ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِدُونِ الْأَرْبَعِينَ، فَعَلَى هَذَا يَتْرُكُ الْوَطْءَ إِلَى تَمَامِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ؛ كَمَا قَالُوا فِي النُّفَسَاءِ. هَذَا مُوجِبُ تَعْلِيلِ الْقَاضِي، وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ، وَإِنِ اسْتَمَرَّ بِهَا فَالْمَشْهُورُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، بِأَنَّهَا تَحْتَاطُ، فَتَغْتَسِلُ عَقِبَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَمِرُّ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ، وَتَصُومُ الْفَرْضَ، وَتُصَلِّي فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، ثُمَّ إِنِ انْقَطَعَ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ فَمَا دُونَهُ اغْتَسَلَتْ غُسْلًا ثَانِيًا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، فَإِنِ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ، فَتَقْضِي مَا صَامَتْ فِيهِ أَوْ طَافَتْ فِيهِ مِنَ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ، فَيُجْعَلُ مَا زَادَ عَلَى الْحَيْضِ الْمُتَيَقَّنِ مَشْكُوكًا فِيهِ؛ حَتَّى يَصِيرَ مُعْتَادًا، وَإِنِ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي لِأَقَلِّ الْحَيْضِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ دَمُ فَسَادٍ، فَلَا تَقْضِي الصَّوْمَ وَالطَّوَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا فَعَلَتْهُ فِي دَمٍ لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهُ حَيْضٌ، وَإِنَّمَا هُوَ كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَادَةِ يُؤَثِّرُ فِيمَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَيْضٌ، فَفِيمَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ حَيْضٌ أَوْلَى، وَهَكَذَا إِنْ زَادَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي عَلَى حَيْضِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ تَقَدَّمَ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ دَمُ فَسَادٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَكَرَّرْ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ أُخَرَ؛ إِحْدَاهُنَّ: أَنَّهَا تَجْلِسُ الدَّمَ جَمِيعَهُ مَا لَمْ تَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا، وَهُوَ أَقْيَسُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الدَّمِ الْخَارِجِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِهِ، وَلَا دَلِيلَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ الْمُعْتَادِ، وَلِأَنَّ أَوَّلَ الدَّمِ جَلَسَتْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِ الْإِمْكَانِ، فَكَذَلِكَ آخِرُهُ، وَلِأَنَّهُ كَانَ دَمَ حَيْضٍ قَبْلَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَالْأَصْلُ فِي بَقَائِهِ عَلَى مَا كَانَ، وَلِأَنَّ النِّسَاءَ لَمْ يَزَلْنَ يَحِضْنَ عَلَى عَهْدِ

<<  <   >  >>