للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢]

فجعل الامتناع لأجل الأذى، وهو عيافة النفس الشريفة، ونفار الطبائع الكريمة عن مخالطة القذارة بالحيض، وذلك موجود قبل الاغتسال (١)، ولهذا قال للمرأة التي سألته عن غسل الحيض .. فذكر الخبر إلى أن قال: «... وخذي فِرصة من مسك فاستعمليها» قالت لها عائشة: تتبَّعِي أثر الدم (٢).

ونوقش: بأنه لو كان لأجل ما ذكرتم لم يجز وطء المستحاضة، لأن أذى جريان الدم أكثر من أثر الحيض.

وأجيب عن المناقشة من وجهين:

الوجه الأول: بالفارق بين أذى دم الحيض ودم الاستحاضة، لما هو معلوم من خبث دم الحيض ونتنه بخلاف دم الاستحاضة.

الوجه الثاني: أنَّ وطء المستحاضة لا يجوز دون خوف العنت، وأما مع خوف العنت، فلأنه يُخشَى من مواقعة ما هو أكثر من الأذى، ولأنَّ ذلك يفضي إلى رفع مقصود النكاح وحله، فاستثني لهذه الضرورة وبقي ما ليس فيه ضرورة على الأصل المذكور (٣).

٢ - قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: ٢٢٢].

وقد رُوي {يَطهرْنَ} بالتشديد والتخفيف، والقراءتان في السبع (٤).

والاستدلال بالآية على قراءة التشديد ظاهر وصريح في اشتراط الغسل، ومعناها «حتى يتَطَهَّرن»، وإنما أدغم التاء في الطاء لتقارب مخرجيهما كما قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦].


(١) الانتصار في المسائل الكبار، لأبي الخطاب (١/ ٥٨١).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) الانتصار (١/ ٥٨١).
(٤) المجموع (٢/ ٣٧٠).

<<  <   >  >>