للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي كأنهار نجسة تصبّ في أنهار طاهرة، والإجماع على أن ذلك لم يكن لكونها أنهارًا؛ وأنه متى كان منها موضع متغير بنجاسة أن ذلك نجس، فدل ذلك على أن المُراعى ظهور أحد أوصاف النجاسات وعدمها، وأنها متى وجدت كان نجسًا، ومتى عدمت كان طاهرًا. وإذا كان ذلك لم يكن فرق بين القليل والكثير.

والإجماع على أنه لا يتوضأ باللبن ولا بالعسل، وأنه متى حلّ شيء من ذلك في ماء ولم يغير أحد أوصافه -أنه مطهر، لا ينقله ما حلّ فيه عن حكمه في الأصل، ولا يقال: إنه يتوضأ بعسل أو لبن، فلو نقله الأول إلى النجاسة نقله هذا إلى الإضافة؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في بئر بضاعة، وقيل له: أيتوضأ منها، وهي يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ " (١). ومعلوم أنه لم يرد أنه طهور مع ظهور عين النجاسة، فصحَّ أن الماء طاهر إذا لم تتغير أحد أوصافه.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ" (٢)، فذلك على وجه الحماية لما يؤدي إليه فعل ذلك من فساد الماء. والفقه والقياس المنع، ولو لم يرد فيه حديث؛ لأنه متى أبيح إلقاء النجاسة في الماء الراكد (٣) والبول والاستنجاء وغسل


(١) حسن، أخرجه أبو داود في سننه: ١/ ٦٦، في باب ما جاء في بئر بضاعة، من كتاب الطهارة، برقم (٦٦)، والترمذي في سننه: ١/ ٩٥، في باب ما جاء الماء لا ينجسه شيء، من أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (٦٦)، قال الترمذي: هذا حديث حسن.
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري: ١/ ٩٤، في باب البول في الماء الدائم، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (٢٣٦)، ومسلم: ١/ ٢٣٥، في باب النهي عن البول في الماء الراكد، من كتاب الطهارة، برقم (٢٨٢).
(٣) الراكد من الماء: الذي لا يجري، وأصل الركود السكون. تضغثه بيدها أي تخلطه وتحركه =

<<  <  ج: ص:  >  >>