للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أشار بهذا لما ذكر الإمام المازري فِي بعض فتاويه وذلك أنه سئل عن رسم مضمنه أنهم يعرفون فلاناً، وصهره فلاناً، وأن فلاناً لما زوجه ابنته البكر فلانة بصداق جملته كذا - شرط فِي عقد النكاح أن يجهزها بألفي دينار مهدوية قال الشهود: ونعلم أن عادة المهدوية (١) وزرويلة أن من زوج ابنته البكر وهو ذو مال يلتزم من الجهاز ما يقابل به الصداق المسمى، ومن الناس من يشترط ومنهم من يعتمد عَلَى العادة من غير شرط، والمتعاقدان متفاهمان لذلك بالعادة ونعلم أن العادة بزرويلة إِذَا توفي الوالد وقام الزوج وطلب ما يقابل صداقه فإنه يقضى به؟

فأجاب: هذا أمر تعمّ به البلوى، وينبغي أن يكشف الشهود عن قولهم إن الآباء يلتزمون ما يقابل الصداق، وربما أجحفوا عَلَى أنفسهم بقدر هممهم فِيهِ، فهذه العادة به صحيحة؛ لكن قد يكون ذلك يفعلونه بقدر الأنفة والهمة التي تعمّ سائر الآباء إِلا من شذ منهم من أهل الخسة، أو يفعلونه لأنهم يرونه لازماً لهم كالدين، فيجبرون عَلَيْهِ إن أبوا، فهذا الثاني إن صحّت الشهادة به فهو المنظور فِيهِ.

وأما الوجه الأول فلا يقضى به إِلا عَلَى تخريج خلاف فِي المذهب، ذكره ابن المَوَّاز فِي " هدية العرس " التي اشتهر فعلها عَلَى وجه المكارمة فقيل: لا يقضى بها؛ لأنها تفعل للمكارمة، فإذا قضينا بها فكأننا استندنا للعادة وخالفناها.

وقيل يقضى بها كالمشترطة، وهذا وإن كان فِيهِ معاوضة فلابد من تحقيق الشهادة عَلَى نحو ما قلنا؛ لأن أصل الشريعة عدم إلزام المرأة وأبيها جهازاً، والصداق عوض عن البضع وهو المقصود، ولو كان عوضاً عن الانتفاع بالجهاز وهو مجهول لكان فاسداً؛ لكن الأصل البضع وما سواه تبع، وفِي المذهب رواية شاذة غريبة: أنه ليس عَلَى المرأة تجهيز بصداقها، فأحرى ما سواه، وأظنّها فِي " وثائق " ابن العطار، والرواية الأخرى تتجهز بالصداق خاصة، والجهازات الكائنة الآن خارجة عن مقتضى الروايات، فإذا كانت العادة تقتضيها فينبغي أن تتحقق، وقد نزلت هنا نازلة عجيبة [٤٨ / أ] منذ خمسين


(١) في الأصل، (ن ١): (المهدية).

<<  <  ج: ص:  >  >>