يقع الحنث فيها إلا بوجود الشرط بكماله؛ لأنا إنما نلزمه حكم الإيقاع من حيث ألزم نفسه، وهو إنما ألزم نفسه الإيقاع بوجود الشرط بكماله، وذلك مثل أن يقول: عبدي حر إن كلَّمتُ زيدًا وعمرًا: فلا يحنث بكلام أحدهما؛ لأنه إنما أوقعه بكلامهما، ولو أوقعناه بكلام أحدهما: كنا قد ألزمناه شرطًا لم يعقده على نفسه.
ألا ترى إلى قوله تعالى:{ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمنٌ فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا}، فلو أنه عمل أعمال الصلاح وليس بمؤمن: لم يستحق حكم الآية.
وأيضًا: معلوم في العادة أنَّ من قال: أعطه درهمًا إن دخل الدار وقعد فيها، أنه لا يستحقه إلا بوجود الأمرين.
مسألة:[حلف ألا يسكن دارًا معينة فخرج منها وترك متاعه وأهله]
قال أبو جعفر:(ومن حلف أن لا يسكن دارًا بعينها، فخرج منها ببدنه، وترك فيها متاعه وأهله: كان حانثًا، وإن أخذ في النَّقلة ساعة حلف، حتى نقل متاعه كله منها: برَّ في يمينه).
قال أحمد: الأصل في ذلك: أنَّ الأيمان محمولةٌ على المتعارف، وذلك لأن المتعارف من الأمور كالمنطوق بها في الأيمان.
والدليل على ذلك: أنَّ من حلف أن لا يجلس على بساط، فجلس على الأرض: لم يحنث، وقد سمى الله الأرض بساطًا.