للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم بما أخبروا به لكن ذلك لا يدل على ما ذكرتم؛ لجواز أن يكون ذلك إشارة إلى ما أجرى الله تعالى عادته من خلق العلم عقيب إخبار الخلق الكثير الذي لا يمكن تواطؤهم على الكذب عادة.

وثانيها: لو كان العلم الحاصل عقيب خبر التواتر ضرورة - لكنا مضطرين إليه، بحيث لا يمكننا الخلو عنه؛ ضرورة أنه على مضادة العلم النظري الذي يمكن الخلو عنه، ولو كان كذلك لعلمنا بالضرورة كوننا عالمين به على سبيل الاضطرار كما في سائر العلوم الضرورية، ولو كان كذلك لزم أن يكون العلم بكون ذلك العلم ضروريا كما في سائر اللضروريات، فكان يجب أن لا يكون مختلفا فيه بين العقلاء، ولما لم يكن كذلك علمنا أنه غير ضروري.

وجوابه: منع الملازمة الثانية؛ وهذا لأن العلم بكون ذلك العلم ضروريا كيفية من كيفيات ذلك العلم، ولا يعد في أن يكون أصل الشيء معلوما بالضرورة دون وصفه، وأما القياس على سائر الضروريات فقياس تمثيلي خال عن الجامع المناسب فضلا عن اليقيني؛ فإن كونه ضروريا وصف طردي ولا يعارض بمثله بأن يقال: لو كان نظريا لكان العلم به نظريا كما في سائر النظريات، لأنه لا يمكن نفي اللازم، إذ الخصم يمنعه وليس له لازم يستدل بنفيه على نفيه بخلاف نفي ضرورته، فإن الخصم ربما يساعد على أن العلم يكون ذلك العلم ضروريا ليس بضروري، فإن لم يساعد عليه فإن من لوازم كونه / (٥٨/أ) ضروريا أن يكون متفقا عليه بين العقلاء، فيستدل بنفيه على نفي ضرورته وليس من لوازم كونه نظريا أن يكون متفقا عليه بين العقلاء حتى يمكن الاستدلال بنفيه على نفي كونه نظريا، ولو قيل: لو كان نظريا لعلم بالضرورة كونه نظريا كان أشد منه، لكنه غير لازم، لجواز أن يكون نظريا شبيها بالضرورة كالذي نحن فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>