للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحسن؟ فلولا الحياءُ منك، ما تركتك تكتبها، وإنه عليَّ لشديد، والحديث أحبُّ إليَّ منها، قلت: إنما تطيب نفسي في الحمل عنك، إنك تعلم أنه منذ مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد لزم أصحابَه قوم، ثم لم يزل يكون للرجل أصحاب يلزمونه، ويكتبون، قال: من كتب؟ قلت: أبو هريرة، قال: وكان عبد الله بن عمرو يكتب، ولم أكتب، فحفظ وضيعت، فقال لي: فهذا الحديث، فقلت له: فما المسائل إلا الحديث، ومن الحديث تشتق" (١).

فهذا يدل على أنه أخيرًا لم يُشدد في الكتابة عنه، وقد قال الخلال: "إن عند الميموني من مسائل أبي عبد الله نحو ستةَ عشر جزءًا" (٢) وغيره من الأصحاب كتب عن أحمد، حتى لقد روي أنه كان يأمر من يكتب عنه أن يقرأ عليه ليصحح له إن كان فيه خطأ.

ومن ذلك أن إسحاق بن منصور الكوسج،-وهو أحد الأصحاب الذين نقلوا عن أحمد- لما سمع أن أحمد رجع عن بعض المسائل التي كتبها عنه، جاء بها إليه، وقرأها عليه.

قال حسان بن محمد: "سمعت مشايخنا يذكرون أن إسحاق بن منصور بلغه أن أحمدَ ابنَ حنبل رجع عن تلك المسائل التي علقها عنه، قال: فجمع إسحاق بن منصور تلك المسائل في جراب، وحملها على ظهره، وخرج راجلاً إلى بغداد، وهي على ظهره، وعرض خطوط أحمد عليه في كل مسألة استفتاه فيها، فأقر له بها ثانيًا وأعجب بذلك أحمد من شأنه" (٣).

والأمثلة والحوادث في ذلك كثيرة من أصحابه -رَحِمَهُ اللهُ-، مذكورة في تراجمهم، وما كتب عنهم.

٤ - كونه لم يصنف في الفقه ولا في الأصول، ليس سببًا أيضًا في كونه غير فقيه، فقد كان يكره التصنيف في ذلك، وليس كل أصحاب المذاهب الفقهية مصنفين، والمذهب


(١) المصدر السابق ١/ ٢١٤.
(٢) المصدر السابق ١/ ٢١٣.
(٣) الطبقات ١/ ١١٤.