للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: "قد تقدم أن نقل الفقه يستدعي كيسًا وفطنة وحُظوة بالغة في الفقه. ثم الفقيه الناقل يُفرض على وجهين:

أحدهما: أن يكون في الفقه على مبلغ يتأتى منه بسببه نقل المذاهب في الجليات والخفايا، تصويرًا وتحريرًا، وتقريراً، ولا يكون في فن الفقه بحيث يَسْتَدُّله قياسُ غير المنصوص عليه على المنصوص. فإن كان كذلك، اعتُمد فيما نقل ... " (١).

فراوية الفقه ليس كراوية الأخبار، بحيث يكتفى فيه بالعدالة مع الضبط، بل لابد من الفقاهة، ولابد من الدراية بمسالك الإجتهاد التي اختطها الأئمة المنقول عنهم، وذلك يتطلب قدرًا من الفهم والمراس، والمعرفة بالمعاني، والقواعد، وطرق الإستدلال، ومناهج الإستنباط.

والنقل الذي نتحدث عنه كما يكون في الرواية والحكاية لمذهب الإمام المجتهد، كذلك يكون في عملية التخريج والإثراء والزيادة على المنصوصات بالوجوه والأقوال المخرجة المختلفة.

فكلمة "النقل" لها مدلولها بهذا المعنى الثاني على وجه الخصوص، ولذلك فهي قريبة من كلمة "التخريج" في المعنى والمضمون إلا أن بينهما فرقًا. أوضحه الشيخ عبد القادر بدران بقوله:

"واعلم أيضاً أن بين التخريج والنقل فرقًا، من حيث إن الأول أعم من الثاني؛ لأن التخريج يكون من القواعد الكلية للإمام أو الشرع أو العقل؛ لأن حاصل معناه: بناء فرع على أصل جامع مشترك، كتخريجنا على تفريق الصفقة فروعًا كثيرة، وعلى قاعدة "تكليف مالا يطاق" أيضًا فروعًا كثيرة في أصول الفقة، وفروعه، وقد جعل فقهاؤنا ذلك كأنه فن مستقل، فألف فيه الحافظ ابن رجب كتابه المسمى بـ"القواعد الفقهية" وألف بعده في ذلك ابن اللحام، لكنهما لم يتجازوا في التخريج القواعد الكلية الأصولية.

وأما النقل: فهو أن ينقل النص عن الإمام، ثم يُخرج عليه فروعًا، فيجعل كلام الإمام أصلًا وما يخرجه فرعًا، وذلك الأصل مختص بنصوص الإمام، فظهر الفرق يينهما" (٢).


(١) الغياثي: ٤١٧ - ٤٢١، تحقيق د. عبد العظيم الديب.
(٢) المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للشيخ عبد القادر بدران، ص ١٣٦. وأصله مذكور في "شرح مختصر الروضة"، للطوفي، ٣/ ٦٤٤ - ٦٤٥.