للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوزير الصاحب ابن عباد، هو الآخر يعد من أشهر رجال الأدب في عصره، فقد وصفه ابن النديم بأنه كان "أو حد زمانه وفريد عصره في البلاغة والفصاحة والشعر" (١). وقد تعمق في دراسة العلوم الشرعية واللسانية والأدبية. وكان كثير الإحسان إلى رجال العلم والأدب، دؤوياً على عقد مجالس علمية وأديية لهم، ويذكر ابن خلكان أنه اجتمع عنده من الشعراء مالم يجتمع عند الفقهاء والأدباء والعلماء، مما ساعد على انتعاش الحركة العلمية والأدبية (٢).

وإذا راجعت كتب الوفيات من الفقهاء والمحدثين والأدباء ومشاهير الأعلام على مدى هذا القرن، فإنك تجد أكثرهم مراوزة أو رازيين أو أصفهانيين أو همذانيين، مما يدل على غزر العلوم هناك ونفاق سوقها في تلك البلدان.

ويصف الشيخ محمد بن الحسن الحجوي -رَحِمَهُ اللهُ- حالة الفقه العامة في هذا الطور. فيقول: "تطور الفقه في طور الكهولة من مبدأ المائة الثالثة إلى منتهى الرابعة، إذ وقف في قوته ولم يزد قوة، ومال إلى القهقرى، ولكن لم يسرع إليه الهرم، ولا وصل إلى طور الإنحلال، بل حفظ قوته الأصلية زمن قرنين بسبب ما ظهر فيه من الحفاظ والمجتهدين الكبار والتآليف العظام.

وفي هذا العصر اختلط فيه المجتهدون بغيرهم، فكان يوجد أهل الإجتهاد الطلق، ولكن غلب التقليد في العلماء، ورضحوا به خطة لهم، ولا يزال في هذا العصر يزيد التقليد وينقص الإجتهاد إلى المائة الرابعة، إذ أصبح كثير من علمائها راضين بخطة التقليد، عالة على فقه أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن خنبل، وأضرابهم ممن كانت مذاهبهم متداولة إذ ذاك. وانساقوا إلى اتخاذ أصول تلك المذاهب دوائر حصرت كل طائفة نفسها بداخلها لا تعدوها، وأصبحت أقوال هؤلاء الأئمة بمنزلة نصوص الكتاب والسنة لا يعدونها، ويذلك نشأت سدود بين الأمة ويين نصوص الشريعة، ضخمت شيئاً فشيئًا إلى أن تنوسيت السنة،


(١) الفهرست، ص ١٥٠.
(٢) نظام الوزارة في الدولة العباسية، ص ١٨٤، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ١/ ١٧٢، تأليف آدم متز، ترجمة عبد الهادي أبو ريدة، القاهرة.