للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان محمد بن قدامة، ثم ابنه أحمد، ثم حفيده محمد أبو عمر، خطباء جمَّاعيل حين غزا الفرنجة الصليبيون فلسطين سنة ٤٩٢ هـ (١٠٩٩ م). وقد عاشوا مع فلاحي الريف الفلسطيني في إقطاع الأمراء الفرنجة.

وتمثلت مقاومة آل قدامة في المزيد من التمسك بالدين والتقوى، حتى كان أبناء القرى يجتمعون إليهم في خطب الجمعة، وكان لأقوالهم صدى طيب في نفوسهم، بسبب ما يعانونه من اضطهاد الإقطاع الفرنجي الذي كان يتقاضاهم الجزية أضعافًا مضاعفة، ويؤذي الناس بالضرب والحبس وقطع الأرجل. وحين تنبه الفرنجة لنشاط الشيخ أحمد، وعزموا على قتله هرب إلى دمشق (١).

وكانت تلك الهجرة المباركة في سنة ٥٥١ هـ، وكانت دمشق قد صارت قبل سنتين فقط من ذلك التاريخ لنور الدين محمود بن زنكي، الذي اشتهر يومذاك بالجهاد والتقوى. وقد رافق الشيخ أحمد في هجرته بعض أقربائه، فلما استقروا في ظاهر دمشق (في مسجد أبي صالح خارج باب توما)، بعث فأحضر أسرته وسائر الأقرباء. وقد لحق بهم فيما بعد كثيرون من جمّاعيل والقرى المحيطة بها (الجمّاعيليات)، وانتسبوا جميعًا فيما بعد إلى القدس، فصاروا يسمون: المقادسة.

وضاق المسجد بعد ثلاث سثوات باللاجئين، وكثرت عليهم المصاعب والأمراض المميتة (٢)، والمشاكل بسبب عددهم ومذهبهم الحنبلي (وقد كان أكثر سكان دمشق شافعية آنذاك). فارتاد لهم أبو عمر منزلًا آخر في سفح جبل قاسيون المطل على دمشق، وبنى دارًا سميت "دير الحنابلة"، وهي اليوم "جامع الحنابلة" (٣).

ومنذ سنة ٥٥٤ هـ بدأ تاريخ جديد لآل قدامة، والبقعة التي نزلوها من قاسيون -وقد سميت "الصالحية" باسم سكنهم القديم في جامع أبي صالح- والمذهب الحنبلي الذي كان يحمله هولاء المقادسة.


(١) الموسوعة الفلسطينية ٣/ ٥٠٤، الطبعة الأولى، ١٩٨٤، القلائد الجوهرية ١/ ٦٧، ط ٢، ١٩٨٠.
(٢) القلائد الجوهرية ١/ ٧٦، ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٥٢.
(٣) المصدر السابق ١/ ٨٠ - ٨١.