للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

توفي الشيخ أحمد بعد أربع سنوات من ذلك التاريخ. وابنه أبو عمر محمد هو الذي بنى مجد الجماعة، ورسم لها خط الحياة العلمية الذي ظلت عليه في القرون التالية. فقد بنى لنفسه مدرسة عرفت بـ "المدرسة العمرية" (١) على ضفة نهر يزيد في سفح الجبل، وآثارها لا تزال باقية إلى اليوم، وظل يعمل على التدريس فيها طوال نصف قرن، إلى أن توفي سنة ٦٠٧ هـ.

وقد اْدت زيادة الطلبة إلى قيام مدرسة أخرى بناها ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي، صهر أبي عمر، على باب دير الحنابلة لتكون دار حديث للغرباء، ووقف عليها كتبه (٢).

خلال ذلك أخذت سمعة آل قدامة في التقى، وسمعة مدرستهم في العلم، تنتشران، وأخذ تلاميذهم في القرآن والحديث والفقه يتكاثرون. وكانت الأموال والأوقاف والهبات بالمقابل تتدفق على الجماعة المقدسية (٣)، والمدرستين، والأبنية القائمة حول دير الحنابلة، فتحولت البقعة إلى بلدة كاملة العمران ذات أسواق، ومنازل وسكان ومساجد (٤).

وإذا كان آل قدامة قد أعطوا هذا المركز الكثير من جهودهم الفكرية، فإن ما لقوه من التشجيع الكبير والاحترام والتكريم، دفعهم بالمقابل إلى المزيد من العمل والإنتاج والاندفاع على مدى أيام الدولة النورية، فالصلاحية، فالعادلية.

ولم يكن آل قدامة في هذا الجهد كله وحدهم، فإن نجاحهم كان قد أغرى منذ الأيام الأولى مجموعة من الأسر الحنبلية القريبة لهم في جمّاعيل وما حولها بالهجرة إليهم على توالي السنين، والدخول في نشاطاتهم العلمية نفسها، وبرز منهم كما برز


(١) القلائد الجوهرية ١/ ٢٤٨، الدارس ٢/ ١٠٠.
(٢) وتسمي دار الحديث الضيائية المحمدية، وهي غير المدرسة الضيائية المحاسنية، القلائد الجوهرية ١/ ١٣٠، والدارس ٢/ ٩١.
(٣) القلائد الجوهرية ١/ ٨٢.
(٤) صبح الأعشى ٤/ ٩٤ وفيه وصف العمران الكائن آنذاك على ضفاف نهر بردى، ووصف مدينة الصالحية.