للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقه الإمام الرباني؛ أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، قدس الله روحه، ونوّر ضريحه، نفعًا، وأكثرها جمعًا، وأتمها تحريرًا، وأحسنها تحبيرًا، وأكملها تحقيقًا، وأقربها إلى الصواب طريقًا، وأعدلها تصحيحًا، وأقومها ترجيحًا، وأغزرها علمًا، وأوسطها حجمًا، قد اجتهد في تحريره، وتصحيحه، وشفر عن ساعد جده في تهذيبه وتنقيحه، فحرر نقوله، وهذب أصوله، وصحح فيه المذهب".

إلى أن قال: "ومرجع الأصحاب في هذه الأيام إليه وتعويلهم في التصحيح والتحرير عليه، لأنه اطلع على كتب كثيرة، ومسائل غزيرة، مع تحرير وتحقيق، وإمعان نظر وتدقيق، فجزاه الله أحسن الجزاء، وأثابه جزيل النعماء" (١).

وقال في مقدمة "الإنصاف":

"واعلم أن من أعظم هذه الكتب نفعًا، وأكثرها علمًا وتحريرًا، وتحقيقًا، وتصحيحًا للمذهب، كتاب "الفروع"، فإنه قصد بتصنيفه تصحيح المذهب وتحريره وجمعه" (٢).

والعلاء المرداوي قد توفي سنة ٨٨٥ هـ، وهو لا يكيل المدح جزافًا، فإنه عني بتصحيح "الفروع" بل بتصحيح المذهب كله، كما يعلم من كتابه "الإنصاف وبالتالي نستطيع أن نستخلص من كلمته الآنفة مسألتين مهمتين:

الأولى: أن كتاب "الفروع" أغنى عن الكتب التي سبقته، إلى حد كبير، وأنه لم يصنف كتاب يساميه أو يقاريه حتى نهاية القرن التاسع. وهكذا بقي عمدة الحنابلة في الدراسة والتدريس والإفتاء، إلى أن جاء العلامة تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي المصري الشهير بابن النجار، فوضع كتاب "منتهى الإرادات" و"شرحه" فانتقل الناس إليه، وعولوا عليه (٣)، ومع ذلك فغالب استمداده من "الفروع" (٤).

الثانية: أن ابن مفلح يعد مصحح المذهب ومحرره وجامعه، لكن ليس ذلك الجمع الذي قام به الحسن بن حامد أو الخلال من قبله، بل هو جمع ملخص من الكتب التي


(١) تصحيح الفروع، المطبوع مع "الفروع" ١/ ٢٢ - ٢٣، عالم الكتب، ١٩٦٧.
(٢) الإنصاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير ١/ ٢٣، دار هجر، ١٩٩٣.
(٣) السحب الوابلة، لإبن حميد، ص ٨٥٥، ط. مؤسسة الرسالة، وتقديم الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع لكتاب "منتهى الإرادات".
(٤) المدخل، لإبن بدران، ص ٤٤٠.