للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كانت الدولة العباسبة نشأت في خراسان بعيدًا عن البلاد العربية، فدخل في الدعوة إلى قيامها وتقويض ملك الأمويين جمهرة كبيرة من العجم، كالترك والفرس والديلم، وكان للعنصر الفارسي الحظ الأوفر والعدد الأكبر في ذلك، فلا جرم كان الخلفاء العباسيون يستعينون بهذه الألوان من الأمم العجمية في الإدارة والجيش والخدمات المختلفة.

فقد ولَّى العباسيون أسرة البرامكة مقاليد الوزارة ويعض ولايات الأقاليم منذ النشأة، فكان خالد بن برمك الفارسي توصل إلى أعلى المراتب في دولة أبي جعفر المنصور، ثم كان ابنه يحيى بمثابة رئيس الوزراء عند هارون الرشيد، فكان من أعظم الوزراء، وكان الرشيد يخاطبه: يا أبي، ثم كان ابنه جعفر نائبًا على دمشق بعد أن أخمد فيها فتنة العصبية هناك. وتولَّى الفضل بن يحيى إمرة خراسان وعمل الوزارة (١).

واتخذ الفضل بن يحيى جندًا من العجم سماهم "العباسية"، وجعل ولاءهم له، ويلغ عددهم خمس مئة ألف رجل، فقدم منهم بغداد عشرون ألفا فسموا ببغداد الكَرنبيّة (٢).

واعتمد المعتصم هو الآخر على العنصر التركي، ولعل ذلك بسبب أن أمه "ماردة" كانت من الأتراك. فكون فرقة عسكرية كبيرة في جيش الخلافة بلغت نحوًا من عشرين ألفًا. ولما ضاقت بهم بغداد، وكثرت الخصومات بينهم ويين الفرس من جهة، وبينهم ويين العامة من جهة ثانية استوطن لهم بالقاطول شرقي بغداد، وبنى به مدينة سماها "سَامُراء" فاتخذها معسكرًا للجيش وحاضرة لملكه (٣).

ولكن هؤلاء الأتراك كانوا من بعد الواثق بالله بلاء على الخلافة وقتلوا عددًا من الخلفاء تترى، كالمتوكل والمستعين والمعتز والمهدي.

ومن المعلوم أن ثورات الخوارج والعلويين كانت مما تميز به العهد الأموي، فلما جاء العباسيون خفّت وطأة الفريقين، وانكسرت شوكة الخوارج، ولم يعد لهم في هذه الدولة شأن، وكذلك العلويون لم يكن لهم من بعد الرشيد قوة يصاولون بها بني عمهم وينازلون.

أما المتمردون على سلطان الدولة بسبب العداوة للإسلام والمخالفة لملته، فكانوا غير قليل، فقد كثر أتباع ابن الراوندي الرافضي بأصفهان في عهد المنصور، وكثرت الزنادقة في العراق الشرقي ويلاد فارس، وهي حركة كانت تسعى في وجهتها العامة


(١) سير أعلام النبلاء ٩/ ٥٩ - ٦١، ٨٩، ٩١.
(٢) تاريخ الطبري ٥/ ٢٥٧.
(٣) تاريخ الطبري ٩/ ٢١٧، البداية والنهاية ١٤/ ٢٨٧، أصول مذهب الإمام أحمد، ص ٣٦.