للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيوخنا، عمن حدثه عن آخر، أنه أظهر التوبة وهو محبوس. وهذا من تَقيَّته ونفاقه، فإنه في آخر عمره، لما جاور بالمدينة، كان يجتمع هو والسكاكيني شيخ الرافضة، ويصحبه، ونظم في ذلك ما يتضمن السب لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه -".

وهكذا لا يصدق ابن رجب توبته، ويحملها على التَّقيَّة، ويتهمه في صحبته للسكاكيني. والسكاكيني هذا: هو محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمذاني ثم الدمشقي، المتوفى سنة ٧٢١ هـ، وقد قال في حقه الذهبيّ -وهو من هو بُغْضاً للرافضة-: "ومات شيخ الشيعة بدمشق وفاضلهم محمد ... في صفر عن ست وثَمانين سنة، وكان لا يغلو ولا يسب معيناً، ولديه فضائل. روى عن ابن مسلمة، والعراقي، ومكي بن عَلَّان. وتلا بالسبع، وله نظم كثير. وأخذ عن أبي صالح الحلبيّ الرافضي. وأخذه معه منصور صاحب المدينة، فأقام بها سنوات، وكان يتشَيَّعُ به سُنَّةٌ، وَيتسَنَّنُ به رافضَةٌ. وفيه اعتزال" (١).

والخوانساري الشيعي، حين ترجمه في "روضات الجنات" قال: "ولم نجد في تراجم الشيعة، ومعاجم الإمامية، ما يدل على كَوْنِ الرجل منهم، فضلاً عن كونه من جملة فقهائهم ومجتهديهمَ، ولو كان ما ذكره الصفدي في حقه صحيحاً لما خَفِيَ ذكرُه عن أهل الحق، ولَما ناسب وصف الحافظ السيوطي إيَّاه بالحنبلية، مع أنها أبعدُ مذاهب العامة (٢) عن طريقة هذه الطائفة الخاصة، كما أشير إلى ذلك في ترجمة أحمد بن حنبل، فليتأمل".

ومن جهة أخرى، يعتبر كتابه "شرح مختصر الروضة" في أصول الفقه ميزاناً لمعرفة مذهبه، ومرآة للكشف عن مكمن معتقده، فهو في هذا الكتاب على العكس مما نُسب إليه، نجده يترضى عن الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم -، وبخاصة الشيخين، ويصرح في أماكن مختلفة باعتقاده بما يعتقده أهل السنة والجماعة، ويرد على الشيعة، ويبيّن أن الحق بخلافها.

ويستعمل في بعض العبارات ما يستعمله الذين عندهم ميول صوفية، مما يُبعد كونه شيعياً، فالشيعة لا ينحون ذلك المنحى.

إلا في مواضع ثلاثة من كتابه المتقدم، قد يفهم منها ميوله للتشيع، ولكن الأمر غيرُ صريح، وهي:


(١) من ذيول العبر ١١٧.
(٢) يعني الشيعة بالعامة: أهل السنة.