للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجواب فيما نظن -والله أعلم- يكمن في رد دعوى كون المذهب الحنبلي داخلاً في المذهب الشافعي وتابع له، وقد بحثنا هذه الدعوى عند الكلام على العلاقة بين أحمد والشافعي في الفصل الأول.

ويبدو أن أبا الحسين علي بن محمد الطبري المعروف بـ "إِلْكيا الهرّاسي"، الشافعي (٥٠٤ هـ) كان من النقاد لمفردات الإمام أحمد، يُقَلِّل من عددها وقيمتها؛ ليسلم به عَدُّ أحمد من أصحاب الشافعي ورواة مذهبه، فانبرت طائفة من معاصريه ومن جاء بعدهم من فقهاء الحنابلة فردوا عليه، منهم: ابن الجوزي، وابن عبد الهادي، وابن قاضي الجبل. وكان علي بن عقيل البغدادي معاصراً لإلكيا الهرّاسي، وكان كثير المناظرة له، فكان الكيا ينشده ويقول (١):

ارفق بعبدك إن فيه فهاهة ... جبلية ولك العراق وماؤها

التأليف في الإختيارات الفقهية:

وقد سبق الكلام عليها في "خصائص الحنبلية والحنابلة" (٢) فلتراجع من هناك.

التأليف في الفتاوي:

الفتاوي -بكسر الواو أفصح مع صحة فتحها في اللغة (٣) - جمع فتوى، وهي: الكشف عن الحكم الشرعي لا على سبيل الإلزام. ومعنى ذلك أن الحكم الشرعي يكشفه الفقيه تارة على سبيل الإلزام لمن كشف له، وتنفيذه عليه جبرًا، وهذا ما يسمى بـ "القضاء" أو"الحكم" وتارة يكشفه لصاحب الحاجة دون أن يلزمه به ويجبره على تنفيذه، مع أن العامي المقلد يجب عليه شرعاً وديانة أن يعمل بفتوى العالم حيث لا سبيل له إلى تعديها، وذلك حين لا يجد من يفتيه غيره، وتكون حاجته إلى العمل بالفتوى عاجلة ومتعينة.

فالقضاء والفتوى صنوان في كون كل منهما ممارسة للاجتهاد في الميدان الواقعي، وذلك في الإجابة على الأسئلة والفصل في الخصومات بطريق الحكم بين المتخاصمين إذا ترافعا إلى القاضي.


(١) "ذيل طبقات الحنابلة" لإبن رجب ١/ ١٤٧.
(٢) في الصفحة ٣٧٨.
(٣) قال الفيومي في "المصباح" (الفتي): الفتاوي، بكسر الواو على الأصل، وقيل يجوز الفتح للتخفيف.