للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم رحل إلى واسط سنة ١٨٧ هـ وأخذ فيها عن يزيد بن هارون. وفاته جرير بن عبد الحميد بالري (١)؛ لأنه لم يجد ما ينفق على نفسه في الرحلة إليه فتأسف على ذلك، كما تأسف على يحيى بن يحيى النيسابوري أحد الرواة المكثرين عن مالك بن أنس.

ثم رحل إلى الحجاز سنة ١٨٧ هـ، فقدم مكة حاجًا لأول مرة، وقد مات الفضيل بن عياض، فكتب عن إبراهيم بن سعد الزهري، وصلى خلفه عدة مرات، ولزم سفيان بن عِيينة وأخذ عنه، واعتبره خلف خير مما فاته من الرواية عن عالم المدينة مالك بن أنس، ولقي الشافعي هناك فروى عنه وأفاد منه قبل أن يجتمع به في المرة الثانية ببغداد.

وقد حج أحمد بيت الله الحرام خمس مرات: الأولى هذه، والثانية سنة ١٩١ هـ وفيها حج الوليد بن مسلم محدث الشام، والثالثة في سنة ١٩٦ هـ وجاور هناك إلى سنة ١٩٧ هـ، والرابعة في سنة ١٩٨ هـ وجاور إلى سنة ١٩٩ هـ (٢).

وكان سفيان قد توفي سنة ١٩٨ هـ، فلعل أحمد كان يكثر التردد على مكة في هذه السنوات من أجل سفيان، فلما مات خرج أحمد إلى صنعاء. وقد قال الذهبي: ولقد كان خلق من طلبة الحديث يتكلفون الحج، وما المحرك لهم سوى لُقي سفيان بن عيينة لإمامته وعلو إسناده. وجاور عنده غير واحد من الحفاظ (٣). وذكره الشافعي، فقال: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز، وقال: وجدت أحاديث الأحكام كلها عند ابن عيينة سوى ستة أحاديث، ووجدتها كلها عند مالك سوى ثلاثين حديثًا. فهذا يدل على أن سفيان جمع أحاديث العراقيين، لأن أصله من الكوفة، إلى أحاديث الحجازيين (٤).

ورحل اْحمد من مكة سنة ١٩٩ هـ متوجهًا نحو اليمن في صحبة يحيى بن معين وإسحاق بن راهويه، وكان يقصد بالذات حافظ صنعاء وعالمها عبد الرزاق بن همام. قال أحمد: أتينا عبد الرزاق قبل المائتين (٢٥٠ هـ) وهو صحيح البصر، ومن سمع منه بعدما ذهب بصره فهو ضعيف السماع (٥).


(١) قال ابن الجوزي في "المناقب" (ص ٥١): قد سمع أحمد بن حنبل من جرير إلا أنه لم يتفق له الإكثار عنه. اهـ. وذكره الذهبي فى جملة شيوخه، ولم يذكره الخطيب البغدادي.
(٢) البداية والنهاية ١٤/ ٣٨٢.
(٣) السير ٨/ ٤٥٧.
(٤) المصدر السابق.
(٥) السير ٩/ ٥٦٥.