للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السنة كانوا قد تفطنوا لخطورة هذه البدعة التي شاعت في بغداد فأوعزوا إلى هؤلاء القضاة أن لا يقبلوا شهادة من يعتقد عقيدة القول بخلق القرآن.

إلى جانب ذلك طلب المأمون إرسال سبعة من العلماء إليه، وهم: محمد بن سعد، وأبو مسلم مستملي يزيد بن هارون، ويحيى بن معين، وزهير بن حرب، وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد الدورقي (١). فامتحنهم، فأجابوا مكرَهين، وردهم إلى بغداد.

ثم كتب المأمون رسالة ثانية مطولة كالتي قبلها، ضمنها كلامًا مطولًا على خطورة الإعتقاد بأن القرآن غير مخلوق "فتعرضوا بذلك لدفع خلق الله الذي بان به عنه خلقه، وتفرد بجلالته من ابتداع الأشياء كلها بحكمته وإنشائها بقدرته ... " وأطال في الإستدلال لخلق القرآن.

ثم ثنى هذه المرة بأن من يزعم أن القرآن غير مخلوق فلا حظ له في الدين ولا نصيب من الإيمان واليقين، ويالتالي تسقط عدالتهم وترفض شهادتهم في الأقضية والمحاكمات.

وكلف إسحاق بن ابراهيم أن يأخذ على القضاة أن يمتحنوا جميع من يشهد عندهم بحق أو شيء من الأشياء أن يستعلنوا القول بخلق القرآن وإلا ردت شهادتهم، وخصوصا أولئك المبرزين المزكين الذين يحضرون مجالس القضاة.

فأحضرهم إسحاق إلى مجلسه، وكان منهم أحمد بن حنبل، وقرأ عليهم الرسالة وامتحنهم، وسجل أجوبتهم، وكانت أجوبتهم عامة تدل على عدم الموافقة على قول المأمون (٢).

وهذه صورة ذلك الامتحان، وجواب الإمام أحمد عنه:

"إسحاق: ما تقول في خلق القرآن؟

أحمد: هو كلام الله.

إسحاق: أمخلوق هو؟

أحمد: هو كلام الله. لا أزيد عليها".

فقدم إليه إسحاق الرقعة التي عرضت على من قبله، وامتحنهم بالموافقة على ما فيها، وقد كان فيها ما يلي:


(١) تاريخ الطبري ٨/ ٦٣٤.
(٢) تاريخ الطبري ٨/ ٦٣٧ - ٦٣٩.