للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمُنْكَرِ} [الأعراف:١٥٧]. (١)

ومن هنا يكون هذا النوع من السكوت دليلاً على الإباحة الأصلية، وربما عُدّ نوعاً من أنواع السنّة التقريرية. (٢)

والداعي إلى بيان الحُكْم في مثل هذا النوع من التصرفات هو انتشارها بين الناس ومن ثَمَ حاجتهم إلى معرفة حُكْم الشرع فيها. وإذا كان تأخُّرُ نزولِ حُكْمِ فعلٍ من الأفعال الشائعة بين الناس قد يكون أحياناً تدرجاً في التشريع -خاصة في العصر الأول للرسالة- كما حديث مع الخمر والربا ونكاح المتعة وغيرها، فإن استمرار سكوت الشارع عن ذلك إلى انقضاء عصر الرسالة يُفسَّر بكون الشارع قاصداً إلى إقرار ذلك الفعل. وقد عَدّ الأصوليون من أنواع بيان الضرورة البيانُ بدلالة حال الساكت الذي وظيفته البيان. (٣)

وفي هذا النوع من التصرفات يقول الإمام الشاطي: " ... أن تكون مظنة العمل به موجودة في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يشرع له أمر زائد على ما مضى فيه، فلا سبيل إلى مخالفته؛ لأن تركهم لما عمل به هؤلاء (أي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته) مضاد له، فمن

استلحقه صار مخالفاً للسنّة". (٤)

وقد فهم جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - من هذا النوع من السكوت دلالته على الإباحة، فاستدل به على جواز العزل، حيث إنهم كانوا يعزلون والوحي ينزل ومع ذلك لم يَرِدْ تحريمه، فدلّ على أن سكوت الشارع عنه دليل على كونه قاصداً إلى إباحته.

أخرج مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ". زَادَ إِسْحاقُ قَالَ سُفْيَانُ: لَوْ كاَنَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ". (٥)


(١) انظر السرخسي: أصول السرخسي، ج ٢، ص ٥٠، عبد العزيز البخاري: كشف الأسرار، ج ٣، ص ٢٨٧.
(٢) انظر الزركشي: البحر المحيط، ج ٤، ص ٢٠٦ - ٢٠٧.
(٣) انظر عبد العزيز البخاري: كشف الأسرار، ج ٣، ص ٢٨٧ وما بعدها؛ والسرخسي: أصول السرخسي، ج ٢، ص ٥٠.
(٤) الشاطبي: الموافقات، مج ٢، ج ٣، ص ٥٤.
(٥) صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب (٢٢)، ج ٢، ص ١٠٦٥، (١٤٤٠) (١٣٦).

<<  <   >  >>