للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونظرًا لكون المذهب التجريبي مدرسة فكرية واسعة فإن أصحابه لم يكن لهم موقف موحّد من مشكلة الاستقراء. ويمكن تصنيف أتباع المذهب التجريبي من حيث موقفهم من مدى الوثوق بنتيجة الدليل الإستقرائي إلى اتجاهات ثلاثة: اتجاه يؤمن بإمكانية الوصول إلى اليقين عن طريق الدليل الإستقرائي، واتجاه آخر يرى أن الدليل الإستقرائي لا يفيد سوى الظن الراجح، واتجاه ثالث يشك في قيمة القضية الإستقرائية من الناحية الموضوعية. (١)

الإتجاه الأول ذو النزعة اليقينية:

يمثل هذا الإتجاه جون ستوارت ميل، وهو اتجاه يشترك مع المذهب العقلي في القول بحاجة الاستقراء إلى مبدأ السببية، ومبدأ التناسق والإطراد القائل بأن الحالات المتماثلة تؤدي إلى نتائج متماثلة. ويقرر أتباع هذا الإتجاه بناء على قضيتي السببية والإطراد في الكون أنه كما حدثت ظاهرة عقيب ظروف معينة فإنها ستحدث باستمرار في كل الظروف المماثلة. ومع هذا التشابه مع المذهب العقلي نجده يختلف عنه في تفسير الأساس الذي يقوم عليه هذان المبدآن (السببية والإطراد). ففي حين يعتبرها المذهب العقلي قضايا عقلية قبلية، يعتبرهما هذا الإتجاه نتيجة استقراءات أوسع وأشمل في الطبيعة، وأننا منذ أن حصلنا على العلم بقضايا السببية نتيجة استقراء لكل ما حولنا من ظواهر الطبيعة، أصبحت بدورها أساسًا لكل تعميم استقرائي لاحق. هذا هو تصور أصحاب هذا الإتجاه لحل العنصرين الأول والثالث من مشكلة الاستقراء.

أما موقفهم من العنصر الثاني من مشكلة الاستقراء فإن جون ستوارت ميل حاول الإعتماد على التجربة في إثبات علاقة السببية بين ظاهرتين متلازمتين دائمًا أو غالبا، ونفي أي رابطة سببية مع أي عامل آخر باقتراح أربعة طرق يمكن بأي واحدة منها تحقيق ذلك، وهي:

١ - طريقة الإتفاق: وخلاصتها أنه إذا اتفقت مجموعة من الحالات للظاهرة المراد


(١) انظر محمد باقر الصدر: الأسس المنطقية للإستقراء، ص ٧٠.

<<  <   >  >>