للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلاقة بين التواتر والاستقراء المعنوي:

يرى الشاطبي أن الاستقراء نوع من أنواع التواتز وأن المسوَّغ الذي يجعل الاستقراء يفيد القطع هو المسوِّغ ذاته الذي أوجب القطع في نتيجة التواتر وفي ذلك يقول. "وإنما الأدلة المعتبرة هنا المستقرأة من جملة أدلة ظنية تضافرت على معنى واحد حتى أفادت فيه القطع، فإن للاجتماع من القوة ما ليس للافتراق. ولأجله أفاد التواتر القطع، وهذا نوع منه". (١)

وقد عَدّ الشاطبي الاستقراء المعنوي شبيهًا بالتواتر المعنوي (٢)، لكنه لم يجعله عينه لما بينهما من فروق. والفرق بينهما أن التواتر المعنوي تكون جميع الأدلة فيه على مساق واحد، راجعة إلى باب واحد، فتكون خادمة لمعنى واحد، وإنما الإختلاف في الألفاظ المروي بها ذلك المعنى، أما الاستقراء المعنوي فمع كون أدلته تنتظم معنًى واحدًا الذي هو المقصود بالإستدلال عليه إلّا أنها مختلفة المساق، لا ترجع إلى باب واحد، وإنما إلى أبواب متعددة. (٣) ووجه الشبه بينهما أن كلًّا منهما يعتمد أساس التواتر وهو تضافر جملة من الأدلة وتكاثرها على معنى واحد إلى أن يبلغ ذلك المعنى مرتبة القطع.

أساس الاستقراء عند الإمام الشاطبي:

لقد أدرك الشاطبي أن اعتماده الاستقراء دليلًا أساسيًّا في الإستدلال على الكليات والمقاصد الشرعية أمر غير مسبوق إليه بتلك السِّعة، كما أن إعطاء صفة القطع لنتائج الاستقراء الناقص أمر مخالفً تمامًا لما اشتهر -بين المناطقة وعلماء الشريعة على حدّ سواء- من كونه لا يفيد سوى الظن، ولذلك سعى الشاطبي -من أجل تسويغ عمله هذا- إلى تحقيق أمرين:

الأول: بيان الأساس الذي يقوم عليه الاستقراء: فقد أرجعه الإمام الشاطبي إلى


(١) الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ١، ص ٢٤.
(٢) انظر المصدر السابق، الصفحة نفسها.
(٣) انظر المصدر السابق، مج ١، ج ١، ص ٢٥.

<<  <   >  >>