للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التواتر بأن جعله نوعًا من أنواعه. وربما استغرب البعض هذا التصنيف، وأعترض عليه بأن التواتر المعروف نوعان: تواتر لفظي، وآخر معنوي، وليس هناك نوع ثالث. ومن أجل دفع هذا الإعتراض بيَّن الشاطبي أن روح الاستقراء المعنوي هي روح التواتر المعنوي ذاتها. فكلاهما يقوم على تتبّع معنى تضافرت عليه مجموعة من الأدلة، ومن ثَمَّ فلا غرابة في إدراج الاستقراء المعنوي تحت التواتر وتفسيره حسب قوانينه، وإعطاء نتيجته نفس مصداقية نتيجة التواتر.

الثاني: بيان أن الإستدلال بالاستقراء المعنوي على أصول الشريعة وكلياتها ليس بالأمر الغريب ولا الجديد، فقد استعمله علماء الشريعة في ذلك وإن لم يصرحوا به، ولم يميزوه عن غيره من الأدلة، كما أنهم أعطوا نتائجه وصف القطع. وفي ذلك يقول الشاطبي: "إلّا أن المتقدمين من الأصوليين ربما تركوا ذكر هذا المعنى والتنبيه عليه، فحصل إغفاله من بعض المتأخرين، فاستشكل الإستدلال بالآيات على حِدَتِها، وبالأحاديث على انفرادها". (١) وقد أبرز الشاطبي ثلاثة أمثلة لذلك هي: (٢)

١ - حجية الإجماع: فقد قطع العلماء بحجية الإجماع مع أنه لم يرد في ذلك دليل قطي، بل كل ما ورد في ذلك آحادُ أدلَّةٍ لا ترقى عن مرتبة الظن، سواء في الثبوت، أو في الدلالة. بيانما توصل العلماء إلى ما توصلوا إليه بشأن حجية الإجماع من خلال استقراء المعنى المشترك بين تلك الأدلة جميعًا، وهو عصمة إجماع الأمة عن الخطأ، إلى درجة القطع به، ومن ثَمَّ القول بحجية الإجماع بشروطه. (٣)

٢ - حجية القياس: فجمهور علماء الأمة على القطع بحجية القياس، ولم يرد في ذلك دليل قاطع، وإنما ثبت ذلك بالاستقراء المعنوي لِمَا ورد في ذلك من نصوص وحوادث.

٣ - حجية أخبار الآحاد: فجمهور علماء الأمة على القطع بوجوب العمل بها، وإنما ثبت ذلك من خلال الاستقراء المعنوي.


(١) الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ١، ص ٢٥.
(٢) انظر المصدر السابق، مج ١، ج ١، ص ٢٥.
(٣) انظر سلوك الغزالي هذا المسلك في إثباث حجية الإجماع في المستصفى، ج ١، ص ١٧٣ - ١٧٤.

<<  <   >  >>