للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبناءً على ماسبق يرى أن ما ثبت عمومه بالاستقراء يجري مجرى ما ثبت عمومه بصيغ العموم، فيكون دالًّا على كلّ نازلة تقع مما يمكن إدخاله تحت ذلك العموم، ويُحْكّم عليها به من غير حاجة إلى دليل خاص أو قياس، وفي ذلك يقول: " ... ثم استقرى [أي المجتهد] معنى عامًّا من أدلة خاصة. واطَّرد له ذلك المعنى، لم يفتقر بعد ذلك إلى دليل خاص على خصوص نازلة تَعِنُّ، بل يحكم عليها -وإن كانت خاصة- بالدخول تحت عموم المعنى المستقرَى من غير اعتبار بقياس أو غيره، إذْ صار ما استقرَى من عموم المعنى كالمنصوص بصيغة عامة، فكيف يحتاج مع ذلك إلى صيغة خاصة بمطلوبه؟ ". (١)

معنى القطع والعموم والكلية والإطلاق في الاستقراء عند الشاطبي:

مع أن الشاطبي لا يذكر عادةً نوع القطع الذي يفيده الاستقراء، إِلَّا أنه في موضع من المواضع -عند حديثه عن كون الكليات الشرعية قطعية- أشار إلى أن نوع القطع المقصود هنا هو القطع العادي؛ أي أن العادة تحيل وقوع ظن فيه وليس العقل، أي أنه لا يمكن نفي تطرق الظن عقلًا لما ثبت بدليل الاستقراء، وذلك قوله: "لأن الظن إنما يتعلق بالجزئيات؛. إذْ لو جاز تعلق الظن بكليات الشريعة لجاز تعلقه بأصل الشريعة، لأنه الكلي الأول، وذلك غير جائز عادة". (٢)

أما مقصوده بأوصاف العموم والكلية والإطلاق، فقد صرح في المسألة الثانية من الفصل الرابع من كتاب الأدلة الشرعية أن القواعد الشرعية الموصوفة بالعموم والكلية، إنما يُراد بعمومها "العموم العادي" لا العموم الكلي التام الذي لا يختلف عنه جزئي ما(٣) ثم ختم المسألة بقوله: "فليكن على بال من النظر في المسائل الشرعية أن القواعد العامة إنما تُنَزَّل على العموم العادي"، (٤) أي أنها قواعد أغلبية تتصف بوصف العموم القابل للتخصيص والإستثناء، ومع ذلك لا يطعن في عمومها ورود


(١) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ٢، ج ٣، ص ٢٢٦.
(٢) المصدر السابق، مج ١، ج ١، ص ٢٠.
(٣) المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ١٩٨.
(٤) المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ٢.

<<  <   >  >>