للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض المخصصات أو الإستثناءات، وتتصف بوصف الإطلاق القابل للتقييد في بعض الجزئيات، وتتصف بوصف الكلية الذي يراد به أنها قواعد إجمالية ضابطة لعدد كبير من الجزئيات لا يكاد يُحْصَر وذلك على منوال الأدلة الكلية في أصول الفقه، وهي الأدلة الإجمالية (القرآن، والسنة، ... إلخ). وفي ذلك يقول: "لأن الكلية إذا كانت أكثرية في الوضعيات انعقدت كلية، واعتُمِدَت في الحكم بها وعليها، شأن الأمور العادية الجارية في الوجود". (١) وقد استدلّ الشاطبي على هذا التفسير لوصفي العموم والكلية بدليلين: الأول: أن سُنّة الله تعالى في العوائد قد جرت بكونها أكثرية لا عامة، ولما كانت الشريعة إنما وضعت لضبط تصرفات الخلق مع تلك العوائد، كان من اللازم أن تسير القواعد الشرعية سير تلك العوائد، فتجري على العموم العادي، لا على العموم الكلي التام الذي لا يختلف عنه جزئي ما. (٢)

الثاني: شهادة الواقع لذلك؛ إذْ إن وضع الشريعة على ذلك ظاهر، ومثال ذلك كان التكاليف الشرعية وُضِعَت على العموم، وجُعِلَ البلوغ علامة التكليف، وهو مَظِنَّة وجود العقل الذي هو مناط التكليف لأن العقل يوجد عنده في الغالب لا على العموم، وكذلك الأمر في السفر الذي جعلت علة الفطر فيه المشقة (٣)، مع أن المشقة قد توجد في غير سفر، وقد تنعدم فيه، ولكن لما كان السفر مظنة وجود المشقة لمصاحبتها إياه في غالب الأحيان جُعِل ذلك قاعدة عامة. وأمثال هذا كثير في القواعد الشرعية، بل هو الغالب فيها. وبذلك يحون الشاطبي من القائلين بأن تخصيص العلل الشرعية، وتخلفها عن بعض الفروع والجزئيات لا يكون نقضًا لها، ولا قادحًا في عمومها.


(١) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ٢، ج ٣، ص ٢٧١.
(٢) انظر المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ١٩٧ - ١٩٨.
(٣) هذا على رأي الشاطبي الذي لا يفرق عادة بين العلة والحكمة، ويرى التعليل بالحكمة، أما على رأي الجمهور من الأصوليين فإن علة الفطر والقصر هي السفر لا المشقة، وأما دفع المشقة فهو الحكمة.

<<  <   >  >>