للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليها والإندماجُ فيها مرغوبٌ فيه. وذلك كمحاسن الأخلاق والعادات، الفردية منها والجماعية. (١)

تنبيه: يلاحظ الناظر في تقسيم الشاطبي للمقاصد (الكلّيات الثلاث) إلى ضرورية، وحاجية، وتحسينية، أنه عند التمثيل لكلّ مرتبة قد أدخل بعض الواجبات ضمن التحسينيات، في حين أدرج بعض المباحات أو المندوبات ضمن الضروريات، وقد يُشْكِل هذا؛ إذْ كيف تكون الفرائض والواجبات مجرد تحسينيات؟ وللإجابة على هذا الإشكال لابد من النظر إلى أمرين:

الأول: الأساس أو المعيار الذي اعتمده الشاطبي في هذا التقسيم، هل هو رتبة التكليف أم أمر آخر؟ فالظاهر أن الشاطبي لم يعتمد في تقسيمه هذا مراتبَ الحكم الشرعي من حيث الإقتضاء والتخيير, وإنما اعتمد معيارًا آخر, هو مدى أهمية كلّ مرتبة في إقامة الحياة الإنسانية -الفردية والجماعية- في أعمدتها الأساسية الخمس: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال؛ ولذلك فلا غرابة أن نجد بعض المباحات داخلة في الضروريات لأنها مباحة بالجزء واجبة بالكلّ، ولأن الحياة لا تقوم إلّا بالمحافظة عليها، وأن نجد بعض الواجبات ضمن التحسينيات لأن أساس الحياة يمكن أن يقوم بغيرها.

والثاني: هو فلسفة الشاطبي في كيفية ورود الأوامر والنواهي الشرعية وما بينهما من مراتب التكليف؛ إذْ يرى الشاطبي أن المطلوب الشرعي ينقسم إلى قسمين:

أ - ما كان شاهدُ الطبعِ خادمًا له ومعينًا عليه، بحيث يكون الطبع الإنساني باعثًا على مقتضى الطلب، ومن أمثلة ذلك الأكل، والشرب، والجماع، والبعدُ عن استعمال القاذورات وأكلها، وغير ذلك. وهذا النوع قد يكتفي الشارع في طلبه -عادةً- بمقتضى الجبلّة الطبعية، والعادات الجارية، فلا يؤكد طلبه تأكيده لغيره، اكتفاءً بالوازع الباعث على الموافقة دون المخالفة، فلذلك نجد هذا النوع على الجملة مطلوبًا طلب ندب لا طلب وجوب، بل كثيرًا ما يأتي في معرض الإباحة.


(١) انظر المصدر السابق، ص ٢١٥.

<<  <   >  >>